للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففتحت عتيدتها «٦٣» فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها، فأفاق النبي صلّى الله عليه وسلم فقال:

«ما تصنعين يا أم سليم؟» فقالت: يا رسول الله، نرجو بركته لصبياننا، قال: «أصبت» «٦٤» .

ومن ذلك ما جاء في الصحيحين من استباق الصحابة إلى فضل وضوئه عليه الصلاة والسلام والتبرك بالكثير من آثاره كألبسته والقدح الذي كان يشرب به «٦٥» .

فإذا كان هذا شأن التوسل بآثاره المادية، فكيف بالتوسل بمنزلته عند الله جل جلاله؟

وكيف بالتوسل بكونه رحمة للعالمين؟

ولا يذهبن بك الوهم إلى أننا نقيس التوسل على التبرك، وأن المسألة لا تعدو أن تكون استدلالا بالقياس. فإن التوسل والتبرك كلمتان تدلان على معنى واحد وهو التماس الخير والبركة عن طريق المتوسّل به. وكل من التوسل بجاهه صلّى الله عليه وسلم عند الله والتوسل بآثاره أو فضلاته أو ثيابه، أفراد وجزئيات داخلة تحت نوع شامل هو مطلق التوسل الذي ثبت حكمه بالأحاديث الصحيحة، وكل الصور الجزئية له تدخل تحت عموم النص عن طريق ما يسمى ب (تنقيح المناط) عند علماء الأصول.

ولنكتف من تعليقنا على قصة هجرته صلّى الله عليه وسلم عند هذا القدر، لنتحدث بعد ذلك عن الأعمال الجليلة التي بدأ يقوم بها صلّى الله عليه وسلم، في المجتمع الجديد في المدينة المنورة.


(٦٣) العتيدة كالصندوق الصغير تجعل فيه المرأة ما يعز من متاعها.
(٦٤) مسلم: ١/ ٨٣
(٦٥) يرى الشيخ ناصر الألباني أن مثل هذه الأحاديث لا فائدة منها في هذا العصر، ذكر ذلك في نقد له على أحاديث كان قد انتقاها الأستاذ محمد المنتصر الكتاني لطلاب كلية الشريعة. ونحن نرى أن هذا كلام خطير ما ينبغي أن يتفوه به مسلم، فجميع أقوال الرسول وأفعاله وإقراراته تشريع، والتشريع باق مستمر إلى يوم القيامة ما لم ينسخه كتاب أو سنة صحيحة. ومن أهم فوائد التشريع ودلالاته معرفة الحكم والاعتقاد بموجبه. وهذه الأحاديث الثابتة الصحيحة لم ينسخها كتاب ولا سنة مثلها فمضمونها التشريعي باق إلى يوم القيامة. ومعنى ذلك أنه لا مانع من التوسل والتبرك بآثار النبي عليه الصلاة والسلام فضلا عن التوسل بذاته وجاهه عند الله تعالى، وإن ذلك ثابت ومشروع مع الزمن، فكيف يقال مع ذلك إنه لا فائدة منها في هذا العصر؟ .. أكبر الظن أن السبب الذي ألغى فائدتها بنظر الشيخ ناصر، أنها تخالف مذهبه في التوسل، غير أن ذلك وحده لا يكفي موجبا لنسخها وانتهاء فائدتها كما هو معلوم.

<<  <   >  >>