للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن من نظام الإسلام وآدابه شيوع آصرة الأخوة والمحبة بين المسلمين. ولكن شيوع هذه الآصرة لا يتم إلا في المسجد، فما لم يتلاق المسلمون يوميا، على مرات متعددة في بيت من بيوت الله، وقد تساقطت مما بينهم فوارق الجاه والمال والاعتبار، لا يمكن لروح التآلف والتآخي أن تؤلف بينهم.

إن من نظام الإسلام وآدابه، أن تشيع روح المساواة والعدل فيما بين المسلمين في مختلف شؤونهم وأحوالهم. ولكن شيوع هذه الروح لا يمكن أن يتم ما لم يتلاق المسلمون كل يوم صفا واحدا بين يدي الله عز وجل، وقد وقفوا على صعيد مشترك من العبودية له، وتعلقت قلوبهم بربهم الواحد جلّ جلاله، ومهما انصرف كل مسلم إلى بيته يعبد الله ويركع له ويسجد دون وجود ظاهرة الاشتراك والاجتماع في العبادة، فإن معنى العدالة والمساواة لن يتغلب في المجتمع على معاني الأثرة والتعالي والأنانية.

وإن من نظام الإسلام وآدابه، أن ينصهر أشتات المسلمين في بوتقة من الوحدة الراسخة يجمعهم عليها حبل الله الذي هو حكمه وشرعه، ولكن ما لم تقم في أنحاء المجتمع مساجد يجتمع فيها المسلمون على تعلم حكم الله وشريعته ليتمسكوا بهما عن معرفة وعلم، فإن وحدتهم تؤول إلى شتات، وسرعان ما تفرقهم عن بعضهم الشهوات والأهواء.

فمن أجل تحقيق هذه المعاني كلها في مجتمع المسلمين ودولتهم الجديدة، أسرع رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل كل شيء فبادر إلى بناء المسجد.

٢- حكم التعامل مع من لم يبلغوا سن الرشد من الأطفال والأيتام:

استدل بعض الفقهاء وهم الحنفية بهذا الحديث على صحة تصرف غير البالغ «٥» ، ووجه الدلالة على ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلم اشترى المربد من الغلامين اليتيمين، بعد أن ساومهما، ولو لم يصح تصرفهما لما اشترى منهما.

غير أن الذين ذهبوا إلى عدم صحة تصرف غير البالغ سن الرشد- وهم جمهور الفقهاء- استدلوا بقوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ

[الأنعام ٦/ ١٥٢] ، أما حديث شراء المربد فيجاب عنه بجوابين:

أولهما: أنه جاء في رواية ابن عيينة أن النبي صلّى الله عليه وسلم كلم عمهما اللذين كانا في حجره وكفالته وابتاعه منهما بواسطته «٦» فلا حجة فيه لما ذهب إليه الحنفية.


(٥) إعلام الساجد: ٢٢٣
(٦) فتح الباري بشرح البخاري: ٨/ ١٧٥

<<  <   >  >>