للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبوية في ذلك العهد «١» ولئن لم يصل إلينا كتابه (المغازي) بذاته، إلا أن أبا محمد عبد الملك المعروف بابن هشام قد جاء من بعده، فروى لنا كتابه هذا مهذبا منقحا، ولم يكن قد مضى على تأليف ابن إسحاق له أكثر من خمسين سنة.

يقول ابن خلكان: «وابن هشام هذا، هو الذي جمع سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، من المغازي والسير لابن إسحاق، وهذبها، ولخصها، وهي السيرة الموجودة بأيدي الناس والمعروفة بسيرة ابن هشام» «٢» .

وعلى كل، فإن مصادر السيرة النبوية التي اعتمدها سائر الكتاب على اختلاف طبقاتهم محصورة في المصادر التالية:

أولا- كتاب الله تعالى. فهو المعتمد الأول في معرفة الملامح العامة لحياة النبي صلّى الله عليه وسلم، وفي الاطلاع على المراحل الإجمالية لسيرته الشريفة، بقطع النظر عن أسلوب القرآن في بيان ذلك.

ثانيا- كتب السنة النبوية، وهي تلك التي كتبها أئمة الحديث المعروفون بصدقهم وأمانتهم، كالكتب الستة وموطأ الإمام مالك ومسند الإمام أحمد وغيره، وإن كانت عناية هذه الكتب الأولى إنما تنصرف إلى أقوال رسول الله وأفعاله من حيث إنها مصدر تشريع، لا من حيث هي تاريخ يدوّن. ولذلك رتبت أحاديث كثير من هذه الكتب على الأبواب الفقهية، ورتب بعضها على أسماء الصحابة الذين رووا هذه الأحاديث، ولم يراع فيها التتابع الزمني للأحداث.

ثالثا- الرواة الذين اهتموا بسيرة النبي صلّى الله عليه وسلم وحياته عموما، وقد كان في الصحابة الكثير ممن اهتم بذلك، بل ما من صحابي كان مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم في مشهد من مشاهد سيرته إلا ورواه لسائر الصحابة ولمن بعده أكثر من مرة. ولكن دون أن يهتم واحد منهم في بادئ الأمر بجمع هذه السيرة وتدوينها. وأحب أن ألفت النظر هنا إلى الفرق بين عموم ما يسمى كتابة وتقييدا، وخصوص ما يسمى تأليفا أو تدوينا. أما الأول فقد كان موجودا بالنسبة للسنة في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما ذكرنا آنفا، وأما الثاني، ويراد به الجمع والتنسيق بين دفتين، فقد ظهر فيما بعد، عندما ظهرت الحاجة إلى ذلك.

[المنهج العلمي في رواية السيرة النبوية:]

من المعلوم أن كتابة السيرة النبوية، تدخل في عموم ما يسمى تأريخا، وإن كانت السيرة النبوية، - كما أوضحنا- منطلقا للتأريخ وحافزا على رصد الوقائع والأحداث التي خلت قبلها والتي جاءت متسلسلة على أعقابها.


(١) انظر ما كتبه ابن سيد الناس في مقدمة كتابه عيون الأثر عن ابن إسحاق وترجمته.
(٢) وفيات الأعيان: ١/ ٢٩٠ الطبعة الميمنية.

<<  <   >  >>