للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيهما: أن للنبي صلّى الله عليه وسلم ولاية في مثل هذه الأمور، وأنه عليه الصلاة والسلام إنما اشترى الأرض منهما بوصف كونه وليا عاما لجميع المسلمين، لا بوصف كونه فردا منهم.

٣- جواز نبش القبور الدارسة، واتخاذ موضعها مسجدا إذا نظفت وطابت أرضها:

ذكر الإمام النووي تعليقا على هذا الحديث فقال: فيه جواز نبش القبور الدارسة وأنه إذا أزيل ترابها المختلط بصديدهم ودمائهم جازت الصلاة في تلك الأرض، وجواز اتخاذ موضعها مسجدا، إذا طيبت أرضه.

كما أن الحديث يدل على أن الأرض التي دفن فيها الموتى ودرست، يجوز بيعها وأنها باقية على ملك صاحبها، وورثته من بعده إذا لم توقف «٧» ، وقد قال علماء السيرة عن تلك القبور التي كانت في المربد أنها كانت قبورا قديمة دراسة، فلا يتأتى فيها تصور الصديد والدم، ومع ذلك فقد نبشت وأزيل ما فيها من بقايا.

قلت: ومحل جواز نبش القبور الدارسة واتخاذ أرضها مسجدا، إذا لم تكن الأرض وقفا، أما إذا كانت كذلك فلا يجوز تحويلها إلى شيء آخر غير ما وقفت له.

٤- حكم تشييد المساجد ونقشها وزخرفتها:

والتشييد أن تقام عمارة المسجد بالحجارة وشبهها مما يزيد في قوة بنائه ومتانة سقفه وأركانه، والنقش والزخرفة ما جاوز أصل البناء من شتى أنواع الزينة.

فأما التشييد فقد أجازه واستحسنه العلماء عامة، بدليل ما فعله عمر وعثمان رضي الله عنهما من إعادة بناء مسجده عليه الصلاة والسلام، وهو وإن كان شيئا لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلم، إلا أن عدم فعله لم يدل على المفهوم المخالف. أي المنع من التشييد والتقوية، إذ لا يتعلق بهما وصف يخل بالحكمة التي من أجلها شرع بناء المساجد، بل إن في ذلك زيادة في العناية والاهتمام بشعائر الله تعالى. واستدل العلماء أيضا على ذلك بقوله تعالى: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة ٩/ ١٨] ، والعمارة إنما تكون بالتشييد وتقوية البناء والعناية به.

وأما النقش والزخرفة، فقد أجمع العلماء على كراهتهما، ثم هم في ذلك بين محرّم ومكرّه كراهة تنزيه، غير أن الذين قالوا بالحرمة والذين قالوا بالكراهة اتفقوا على أنه يحرم صرف المال الموقوف لعمارة المساجد على شيء من الزخرفة والنقش، أما إذا كان المال المصروف على ذلك من الباني نفسه فيرد الخلاف فيه، وقد ذكر الزركشي نقلا عن الإمام البغوي أنه لا يجوز نقش المسجد من غلة الوقف، ويغرم القيّم إن فعله، فلو فعله رجل بماله كره لأنه يشغل قلب المصلين «٨» .


(٧) إعلام الساجد: ٢٣٦
(٨) هذا عند فقهاء الشافعية، وأجاز ذلك الحنفية وغيرهم إذا اقتضت المصلحة.

<<  <   >  >>