للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله صلّى الله عليه وسلم قائلا: «إنني أتولى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلم والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم» .

ففيهما نزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ، يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ [المائدة ٥/ ٥١- ٥٢] .

[العبر والعظات:]

هذه الواقعة تدل في جملتها، على مدى ما ركب في اليهود من طبيعة الغدر والخيانة، فلا تروق لهم الحياة مع من يجاورونهم أو يخالطونهم إلا بأن يبيتوا لهم شرّا أو يحيكوا لهم غدرا، وهم على أتمّ الاستعداد لأن يخلقوا جميع الوسائل والأسباب لذلك. ولدى دراستنا التفصيلية لهذه الحادثة نخرج بدروس ومبادئ نجملها فيما يلي:

أولا: (حجاب المرأة المسلمة) ، لقد رأينا أن مصدر الحادثة هو إرادة اليهود المرأة العربية المسلمة على كشف وجهها، وذلك حينما دخلت في سوقهم لأمر يخصها.. ولا تنافي بين هذا السبب الذي رواه ابن هشام والسبب الآخر الذي رواه بقية رواة السيرة، من حقدهم على المسلمين عقب انتصارهم في غزوة بدر وقولهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنا والله لئن حاربتنا لتعلمن أنّا نحن الناس» ، فالأغلب أن السببين واقعان معا وكل منهما يتمم الآخر، إذ من البعيد أن ينبذ إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم عهدهم لمجرد ظهور بوادر الضغينة على وجوههم وفي كلماتهم، بل لابد أنهم قد تصرفوا مع ذلك تصرفا أساؤوا فيه إلى المسلمين على نحو ما رواه ابن هشام.

وهو يدل على أن الحجاب الذي شرعه الإسلام للمرأة سابغ للوجه أيضا، وإلا لم يكن هنالك أي حاجة إلى أن تسير هذه المرأة في الطريق ساترة وجهها، ولو لم يكن سترها لوجهها تحقيقا لحكم ديني يأمرها بذلك، لما وجد اليهود ما يدفعهم إلى ما صنعوا، لأنهم إنما أرادوا من ذلك مغايظة شعورها الديني الذي كان يبدو جليا في مظهرها.

وقد يقال: إن في هذه القصة التي تفرد بروايتها ابن هشام بعض اللين، فلا تقوى على الدلالة على مثل هذا الحكم، إلا أنه يشهد لها أحاديث كثيرة أخرى ثابتة لا مجال للطعن فيها.

فمن ذلك ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها، في باب ما يلبس المحرم من الثياب.

قالت: «لا تلثّم- أي المرأة- ولا تتبرقع ولا تلبس ثوبا بورس ولا زعفران» . ومثله ما رواه مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: «لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس

<<  <   >  >>