للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في كتابه، وعدا عليه فقتله. روى البخاري عن أنس بن مالك، أن حرام بن ملحان لما طعن وانتضح الدم في وجهه، صاح: فزت ورب الكعبة «٣٦» .

ثم استصرخ عامر بن الطفيل بتي عامر يستعديهم على بقية الدعاة فأبوا أن يجيبوه وقالوا:

لن نخفر أبا براء (عامر بن مالك) ، فاستصرخ عليهم قبائل من سليم من عصيّة ورعل وذكوان فأجابوه، وانطلقوا فأحاطوا بالقوم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم وقاتلوهم، فقتل المسلمون عن آخرهم.

وكان في سرح الدعاة اثنان لم يشهدا هذه الموقعة الغادرة، أحدهما (عمرو بن أمية الضمري) ولم يعرف النبأ إلا فيما بعد، فأقبلا يدافعان عن إخوانهما فقتل زميله معهم، وأفلت هو فرجع إلى المدينة. وفي الطريق لقي رجلين من المشركين ظنهما من بني عامر فقتلهما، ثم تبيّن لما وصل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأخبره الخبر أنهما من بني كلاب وأن النبي صلّى الله عليه وسلم كان قد أجارهما. فقال عليه الصلاة والسلام: لقد قتلت قتيلين لأدينّهما.

وتأثر النبي صلّى الله عليه وسلم لمقتل هؤلاء الدعاة الصالحين من أصحابه، وبقي شهرا يقنت في صلاة الصبح يدعو على قبائل سليم: رعل وذكوان وبني لحيان وعصيّة» «٣٧» .

[العبر والعظات:]

في هاتين الحادثتين المؤثرتين دلالات هامة نجملها فيما يلي:

أولا: يدل كل من حادثة الرجيع وبئر معونة على اشتراك المسلمين كلهم في مسؤولية الدعوة إلى الإسلام وتبصير الناس بحقيقته وأحكامه. فليس أمر الدعوة موكولا إلى الأنبياء والرسل وحدهم أو إلى خلفائهم والعلماء دون غيرهم.

وإنك لتستشعر مدى أهمية القيام بواجب هذه الدعوة، من إرسال النبي صلّى الله عليه وسلم أولئك القراء الذين بلغت عدتهم سبعين شابا من خيرة أصحابه صلّى الله عليه وسلم، ولما يمض أمد طويل على مقتل أولئك النفر الستة الذين كان قد بعثهم في ذلك السبيل نفسه.. ولقد استشعر الخوف عليهم، وذكر ذلك لعامر بن مالك عندما اقترح عليه إرسال وفد لدعوة الناس إلى الدين ولكنه كان يرى أن القيام بأعباء التبليغ أهم من كل شيء، ولئن لم يمكن تحمل مسؤولية الدعوة والنهوض بها إلا بمثل هذه المغامرة وقبول ما قد ينتج عنها، فلتكن المغامرة، وليكن ما أراد الله تعالى في سبيل القيام بأمره وتبليغ دعوته.


(٣٦) البخاري: ٥/ ٤٣
(٣٧) انظر سيرة ابن هشام: ٢/ ١٧٣، وخبر قنوت الرسول صلّى الله عليه وسلم ودعائه على قبائل سليم رواه البخاري ومسلم.

<<  <   >  >>