للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبائل محارب وبني ثعلب، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري رضي الله عنه. وعسكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم في مكان بنجد من أرض غطفان يسمى (نخل) ، ولكن الله تعالى قذف في قلوب تلك القبائل الرعب- وقد كانت كما يقول ابن هشام جموعا كبيرة- فتفرقوا بعيدا عن المسلمين، ولم يقع أيّ قتال.

غير أن في قصة هذه الغزوة- مع ذلك- مشاهد تستأهل النظر فيها وأخذ الدرس منها، فلنجتزئ عن ذكر القصة كلها، بذكر هذه المشاهد:

أولا: روي في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، قال: فنقبت أقدامنا، فنقبت قدماي وسقطت أظافري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع، لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق. قال أبو موسى بهذا الحديث ثم كره ذلك، قال: كأنه كره أن يكون شيئا من عمله أفشاه» .

ثانيا: روى البخاري ومسلم أنه صلّى الله عليه وسلم صلى في غزوة ذات الرقاع صلاة الخوف، وأن طائفة صفّت معه، وطائفة وجاه العدو. فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم، ثم سلّم بهم «٤٧» .

ثالثا: روى البخاري أيضا عن جابر رضي الله عنه: «أنه لما قفل رسول الله صلّى الله عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة (وقت القيلولة) في واد كثير العضاه (نوع من الشجر) فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وتفرق الناس يستظلون الشجر، ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم تحت سمرة فعلق بها سيفه، قال جابر: فنمنا نومة، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم يدعونا فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا، فقال لي: من يمنعك مني؟ فقلت له: الله، فها هو ذا جالس ... ثم لم يعاقبه رسول الله صلّى الله عليه وسلم» «٤٨» .

رابعا: روى ابن إسحاق وأحمد عن جابر رضي الله عنه، قال: «خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع فأصيبت امرأة من المشركين فلما انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم


(٤٧) رواه البخاري في ٥/ ٥٣ باب: غزوة ذات الرقاع، ورواه مسلم في ٢/ ٢١٤ باب صلاة الخوف وزاد مسلم فروى بعد ذلك عن جابر أنه نودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، قال: فكانت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتين. قلت: ووجه التوفيق بين الحديثين أنه عليه الصلاة والسلام صلى بأصحابه صلاة الخوف أكثر من مرة، فصلاها مرة على النحو الأول وصلاها مرة أخرى على النحو الثاني وحديث مسلم يدل على أن المسافر يجوز له أن يتم الرباعية ويقصرها وهو مذهب الشافعي ومالك والإمام أحمد، خلافا للحنفية..
(٤٨) صحيح البخاري: ٥/ ٥٢ و ٥٣ و ٥٤

<<  <   >  >>