للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قافلا وجاء زوجها وكان غائبا، فحلف أن لا ينتهي حتى يهريق دما في أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلم، فخرج يتبع أثر النبي صلّى الله عليه وسلم، فنزل النبي صلّى الله عليه وسلم منزلا، فقال: من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه؟ قال: فانتدب رجل من المهاجرين وآخر من الأنصار «٤٩» فقالا: نحن يا رسول الله، قال: فكونا بفم الشعب، قال: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه قد نزلوا إلى شعب من الوادي.

فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب، قال الأنصاري للمهاجري: أيّ الليل تحب أن أكفيكه؟

أوله أم آخره؟ قال: بل اكفني أوله. فاضطجع المهاجري فنام، وقام الأنصاري يصلي، قال:

وأتى الرجل فلما رأى شخص الأنصاري عرف أنه ربيئة القوم (الطليعة الذي يحرسهم) فرمى بسهم فوضعه فيه، فنزعه الأنصاري وثبت قائما يصلي، ثم رماه بسهم آخر فوضعه فيه، فنزعه وثبت قائما، ثم عاد له بالثالثة فنزعه، ثم ركع وسجد، وأهب صاحبه (أيقظه) قائلا: اجلس فقد أثبتّ، قال: فوثب، فلما رآهما الرجل عرف أن قد نذر به «٥٠» فهرب، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله، أفلا أيقظتني أول ما رماك، قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها. فلما ثابر عليّ الرمي ركعت فآذنتك. وايم الله، لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله بحفظه، لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها» «٥١» .

خامسا: روى البخاري ومسلم، وابن سعد في طبقاته، وابن هشام في سيرته، عن جابر بن عبد الله قال:

«خرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع على جمل لي ضعيف، فلما قفل رسول الله صلّى الله عليه وسلم جعلت الرفاق تمضي، وجعلت أتخلف حتى أدركني رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فقال: مالك يا جابر؟ قلت: يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا. قال: أنخه فأنخته وأناخ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم قال: أعطني هذه العصا من يدك، ففعلت، فأخذها فنخسه بها نخسات ثم قال: اركب، فركبت فخرج- والذي بعثه بالحق- يواهق «٥٢» ناقته مواهقة.

وتحدثت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال لي: أتبيعني جملك هذا يا جابر؟ قلت: يا رسول الله، بل أهبه لك، قال: لا ولكن بعنيه، قلت: فسمنيه يا رسول الله، قال: آخذه بدرهم! قلت:

لا، إذن تغبنني يا رسول الله. قال: فبدرهمين؟ قلت: لا، فلم يزل يرفع لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم في ثمنه حتى بلغ الأوقية. فقلت: أفقد رضيت يا رسول الله؟ قال: نعم، قلت: فهو لك، قال:

قد أخذته.. ثم قال: يا جابر هل تزوجت بعد؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: أثيّبا أم بكرا؟


(٤٩) زاد ابن إسحاق: وهما عمار بن ياسر، وعباد بن بشر.
(٥٠) نذر به: أي اكتشف أمره.
(٥١) رواه أحمد والطبري وأبو داود عن ابن إسحاق عن صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر بن عبد الله.
(٥٢) يواهق: أي يسابق.

<<  <   >  >>