للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عزّ وجلّ على نبيّه صلّى الله عليه وسلم: فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشات من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فسري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال: أبشري يا عائشة أمّا الله فقد برّأك، فقالت أمي: قومي إليه (أي اشكريه) ، فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي. قالت فأنزل الله عزّ وجلّ:

إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ، لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ، وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ إلى آخر عشر آيات [النور ٢٤/ ١١] .

قالت: وكان أبي ينفق على مسطح لقرابته منه ولفقره، فقال: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله عز وجل: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور ٢٤/ ٢٢] فقال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفقها عليه.

ثم خرج صلّى الله عليه وسلم إلى الناس فخطبهم، وتلا عليهم ما أنزل الله تعالى من القرآن في ذلك، ثم أمر بمسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش وكانوا ممن أفصح بالفاحشة، فضربوا حدهم «٦١» .

[العبر والدلالات:]

نأخذ من هذه الغزوة ما يلي:

أولا: مشروعية تقسيم الغنائم بين المقاتلين، بعد استثناء السلب والخمس من الغنيمة، فأما السلب (وهو ما يكون مع المقتول من سلاح ونحوه) فيجوز أن يأخذه القاتل لقوله صلّى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلا فله سلبه» وأما الخمس فهو لمن ذكرهم الله تعالى في كتابه: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال ٨/ ٤١] ، وأما الأخماس الأربعة فتوزع على المقاتلين كما كان يفعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

وهذا متفق عليه بين الأئمة في الأموال المنقولة، أما الأرض فقد وقع في أمر تقسيمها خلاف عرضنا له عند الحديث عن أمر بني النضير.

ثانيا: حكم العزل عند الجماع أو (تحديد النسل) .

ويتبع ذلك إسقاط النطفة أو العلقة قبل نفخ الروح فيها، كما يتبع ذلك عموم ما يسمى اليوم بتحديد النسل.


(٦١) رواه أبو داود وابن ماجه وابن إسحاق وغيرهم.

<<  <   >  >>