للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة، فبارك في الأنصار والمهاجرة» «٧٠» .

وروى البخاري أيضا في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال: «إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة، فجاؤوا النبي صلّى الله عليه وسلم فقالوا هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا، فأخذ النبي صلّى الله عليه وسلم المعول فضرب، فعاد كثيبا أهيل (أو أهيم) فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت، فقلت لا مرأتي:

رأيت بالنبي صلّى الله عليه وسلم شيئا ما كان لي في ذلك صبر، فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير وعناق «٧١» .

فذبحت العناق وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة «٧٢» ، ثم جئت النبي صلّى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي «٧٣» قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيّم لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان. قال: كم هو؟ فذكرت له، قال: كثير طيب، فقل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي. ثم نادى المهاجرين والأنصار فقال لهم قوموا.. وفي طريق أخرى:

فصاح النبي صلّى الله عليه وسلم: يا أهل الخندق، إن جابرا قد صنع سورا «٧٤» فحيّ هلا بكم. فلما دخل جابر على امرأته قال: ويحك جاء النبي بالمهاجرين والأنصار ومن معهم! .. قالت: هل سألك كم طعامك؟ قال: نعم، قالت: الله ورسوله أعلم.

ثم جاء النبي صلّى الله عليه وسلم فقال: ادخلوا ولا تضاغطوا. فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمّر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية! قال: كلي هذا واهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة (وفي رواية أخرى) فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوا وانصرفوا، وإن برمتنا لتغطّ كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو» «٧٥» .

موقف المنافقين من العمل في الخندق: روى ابن هشام أنه أبطأ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعن المسلمين في عملهم في الخندق رجال من المنافقين، وجعلوا يورّون بالضعيف من العمل، ويتسللون إلى أهلهم بغير علم من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكان الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لابد له منها يستأذنه في اللحوق بحاجته فيأذن له، فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله. وفي ذلك نزل قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى


(٧٠) البخاري: ٥/ ٤٦ وروى مسلم عن البراء نحوه بألفاظ قريبة: ٦/ ١٨٧
(٧١) هي الأنثى من المعز.
(٧٢) البرمة: القدر.
(٧٣) الأثافي: الحجارة التي توضع عليها القدر.
(٧٤) السور: بضم السين بدون همزة يطلق على الصنيع العام من الطعام.
(٧٥) صحيح البخاري: ٦/ ٤٦ وانظر فتح الباري: ٧/ ٢٧٩ و ٢٨٠

<<  <   >  >>