للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاتته صلاة وأراد تداركها أن ينتظر حلول وقتها من اليوم الثاني ثم يؤديها إذ ذاك. بل عليه أن يبادر إلى قضائها بمجرد التذكر، في أي وقت كان. فإذا عرفت أن هذا هو مقصود رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما تدل على ذلك صيغة الحديث نفسها وكما ذكر ذلك علماء الحديث وشراحه «٨٣» عرفت أنه لا دلالة تشريعية تتعلق بالمفهوم المخالف للنوم أو النسيان في الحديث.

[غزوة بني قريظة]

جاء في الصحيحين أن النبي صلّى الله عليه وسلم لما رجع من الخندق ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل عليه الصلاة والسلام، فقال: «قد وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، فاخرج إليهم قال: فإلى أين؟ قال: ههنا، وأشار إلى بني قريظة، فخرج النبي صلّى الله عليه وسلم إليهم» «٨٤» .

ونادى صلّى الله عليه وسلم في المسلمين «ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فسار الناس، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلّي، ولم يرد منا ذلك. فذكروا ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلم، فلم يعنف أحدا منهم» «٨٥» .

وحاصر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بني قريظة (وهم متحصنون في حصونهم) خمسا وعشرين ليلة وقيل خمسة عشر يوما «٨٦» حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب.

روى ابن هشام أن كعب بن أسعد قال لليهود: لما رأى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم: «يا معشر يهود، قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا، فخذوا أيها شئتم. قالوا: فما هي؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدقه، فو الله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل، وأنه للذي تجدونه في كتابكم، فتأمنون على دمائكم وأبنائكم ونسائكم. قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا، قال: فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين بالسيوف، لم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه، قالوا: فما ذنب المساكين؟ قال: فإن أبيتم هذه أيضا فإن الليلة ليلة السبت، وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها، فأنزلوا لعلنا نصيب منهم غرة، فأبوا ذلك أيضا» .

ثم إنهم نزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيهم- وقد كانت بنو قريظة حلفاء للأوس- فأحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يكل الحكم عليهم إلى واحد من رؤساء الأوسيين، فجعل الحكم فيهم إلى سعد بن


(٨٣) انظر فتح الباري: ٢/ ٤٧ ونيل الأوطار: ٢/ ٢٧
(٨٤) متفق عليه واللفظ للبخاري.
(٨٥) رواه البخاري.
(٨٦) الذي رواه ابن هشام أن مدة الحصار كانت خمسة وعشرين يوما. وجزم ابن سعد في طبقاته أنها كانت خمسة عشر فقط.

<<  <   >  >>