للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معاذ، وكان قد أصيب بسهم في الخندق فكان يداوى في خيمة هناك. فلما حكّمه رسول الله صلّى الله عليه وسلم في بني قريظة وأرسل إليه بذلك، أتى على حمار. فلما دنا من المسجد «٨٧» ، قال للأنصار: قوموا إلى سيدكم أو خيركم. ثم قال: إن هؤلاء نزلوا على حكمك. قال: تقتل مقاتلهم وتسبي ذريتهم، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: قضيت بحكم الله تعالى «٨٨» .

ثم قال سعد رضي الله عنه: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك صلّى الله عليه وسلم، وأخرجوه. اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها، واجعل موتي فيها. فانفجرت من لبّته، فلم يرعهم وفي المسجد خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم. فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دما فمات منها رضي الله عنه «٨٩» ، وفي رواية أحمد أن جرحه حينما انفجر كان قد برئ إلا مثل الخرص (حلي يوضع في الأذن) أي إلا شيء يسير قد بقي منه.

ثم استنزل اليهود من حصونهم فسيقوا إلى خنادق في المدينة، فقتل مقاتلهم (أي رجالهم) وسبي ذراريهم. وكان في جملة من سيق إلى القتل فقتل: حيي بن أخطب الذي كان قد سعى حتى أقنع بني قريظة بالغدر ونقض العهد. روى ابن إسحاق أنه جيء به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويداه مجموعتان إلى عنقه بحبل، فلما نظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يخذل، ثم جلس فضربت عنقه» .

[العبر والعظات:]

استنبط علماء الحديث والسيرة من قصة بني قريظة هذه أحكاما هامة نجملها فيما يلي:

أولا: (جواز قتال من نقض العهد) ، وقد جعل الإمام مسلم رحمه الله هذا الحكم عنوانا لغزوة بني قريظة، فالصلح والمعاهدة والاستئمان بين المسلمين وغيرهم، كل ذلك ينبغي احترامه على المسلمين، ما لم ينقض الآخرون العهد أو الصلح أو الأمان. وحينئذ يجوز للمسلمين قتالهم إن رأوا المصلحة في ذلك.

ثانيا: (جواز التحكيم في أمور المسلمين ومهامهم) ، قال النووي رحمه الله: فيه جواز التحكيم في أمور المسلمين وفي مهامّهم العظام والرجوع في ذلك إلى حكم مسلم عادل صالح للحكم،


(٨٧) ليس المراد به مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المدينة، بل مكان اختطه صلّى الله عليه وسلم في بني قريظة للصلاة فكان مسجدا، كما قال شراح الحديث.
(٨٨) متفق عليه.
(٨٩) متفق عليه واللفظ للبخاري.

<<  <   >  >>