للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقتله» ، فرجعا إلى باذان بذلك، فأسلم هو والأبناء الذين باليمن» «٢٩» .

وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي إلى عظيم بصرى من قبل الروم شرحبيل بن عمرو الغساني، فأوثقه رباطا وقتله، قالوا ولم يقتل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم رسول غيره «٣٠» .

وبعث صلّى الله عليه وسلم برسل وكتب أخرى كثيرة إلى كثير من الأمراء العرب المتفرقين في مختلف المناطق، فأسلم منهم الكثير، وعاند البعض منهم.

وفي هذه الفترة أيضا تلاحقت الوفود تفد على رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مختلف الجهات تعلن إسلامها وتدخل في دين الله تعالى. وممن أسلم في هذه الفترة من كبار العرب وقادتهم: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص» .

روى ابن إسحاق، عن عمرو بن العاص، قال: «خرجت عامدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلقيت خالد بن الوليد، وذلك قبل الفتح، وهو مقبل من مكة. فقلت: أين تريد يا أبا سليمان؟ قال: أذهب والله لأسلم، فحتى متى؟! قلت له: وما جئت إلا لأسلم، فقدمنا جميعا، فتقدم خالد فأسلم وبايع، ثم دنوت فبايعته» .

[العبر والعظات:]

معالم المرحلة الجديدة: حديث هذه السرايا التي بعثها رسول الله صلّى الله عليه وسلم منتشرة في القبائل، والكتب التي أرسلها إلى مختلف ملوك ورؤساء العالم، جزء من المظاهر التي تميز هذه المرحلة من الدعوة في حياته عليه الصلاة والسلام، عن المرحلة التي قبلها.

لقد كانت المرحلة التي تسير فيها الدعوة من بدء الهجرة إلى صلح الحديبية، مرحلة دفاعية كما قلنا، إلى جانب القيام بمهام الدعوة السلمية. فلم يحدث خلال تلك المرحلة أن بدأ النبي صلّى الله عليه وسلم هجوما أو شن غزوة على فئة ما من الناس، ولم يحدث أن أرسل سرية إلى قبيلة ما ليدعوهم إلى الإسلام، فإن أبوا قاتلوهم عليه.

فلما أبرم صلح الحديبية بين المشركين من قريش والمسلمين في المدينة، واطمأنت أفئدة المسلمين واستراحوا من متاعب قريش ومناوشاتهم، تفرغ النبي صلّى الله عليه وسلم للدخول في مرحلة جديدة


(٢٩) خبر كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى كسرى بهذا التفصيل من رواية ابن سعد في طبقاته وقد ذكر ذلك البخاري أيضا مختصرا، وفيه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعا عليهم- لما بلغه أنه مزق كتابه- أن يمزقوا كل ممزق، وقد أسند الشيخ ناصر، في تعليقاته على كتاب فقه السيرة للغزالي، إلى ابن سعد، زيادة على ما ذكرته، لم أجدها في طبقاته، وهي: أن النبي صلّى الله عليه وسلم رأى شواربهما (أي الرجلين اللذين أرسلهما إليه باذان) مفتولة وخدودهما محلوقة فأشاح عنهما وقال: ويحكما، من أمر كما بهذا؟ قالا: أمرنا ربنا: يعنيان كسرى. فهذه الزيادة، لم أجدها في رواية سعد، وإنما هي من رواية ابن جرير.
(٣٠) رواه الواقدي، عن عمر بن الحكم، قال ابن حجر: وذكره أيضا ابن شاهين من طريق محمد بن يزيد.

<<  <   >  >>