للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه؟ فأقول: سليم، فيقول: ما لي ولسليم؟ .. وهكذا، حتى مرّ به رسول الله صلّى الله عليه وسلم في كتيبة فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، فقال: سبحان الله يا عباس، من هؤلاء؟ قلت: هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار! .. قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما! .. فقال: يا أبا سفيان إنها النبوة، قال: فنعم إذن» «٤٨» .

ثم قال له العباس: «النجاة إلى قومك! .. فأسرع أبو سفيان حتى دخل مكة قبل أن يصلها رسول الله، وصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.

فأقبلت إليه امرأته هند بنت عتبة، فأخذت بشاربه وهي تقول: اقتلوا الحميت الدسم الأحمس، قبّح من طليعة قوم! .. فقال: ويلكم لا تغرنكم هذه من نفوسكم، فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: قاتلك الله، وما تغني عنا دارك؟

قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد» «٤٩» .

وبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن سعد بن عبادة قال لأبي سفيان عندما رآه في مضيق الوادي:

«اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة، فلم يرض عليه الصلاة والسلام بقوله هذا، وقال:

بل اليوم يوم الرحمة، اليوم يعظم الله الكعبة. وأمر قادة جيوشه أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم» «٥٠» إلا ستة رجال وأربعة نسوة، أمر بقتلهم حيثما وجدوا، وهم: عكرمة بن أبي جهل، وهبّار بن الأسود، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، ومقيس بن صبابة الليثي، والحويرث بن نقيد، وعبد الله بن هلال، وهند بنت عتبة، وسارة مولاة عمرو بن هشام، وفرتنى وقرينة (وكانتا جاريتين تتغنيان دائما بهجاء النبي صلّى الله عليه وسلم) «٥١» .

ودخل النبي صلّى الله عليه وسلم مكة من أعلاها (كداء) وأمر خالد بن الوليد أن يدخل بمن معه من أسفلها: (كدى) . فدخل المسلمون مكة من حيث أمرهم، ولم يجد أحد منهم مقاومة، إلا خالد بن الوليد، فقد لقيه جمع من المشركين فيهم عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية،


(٤٨) رواه ابن سعد، وابن إسحاق، وابن جرير، وروى نحوه البخاري، والألفاظ متقاربة.
(٤٩) ابن إسحاق.
(٥٠) رواه البخاري وابن إسحاق وغيرهما.
(٥١) رواه ابن سعد وابن إسحاق، قال ابن حجر: وقد جمعت أسماء هؤلاء الرجال الستة والنسوة الأربع من متفرقات الأخبار.

<<  <   >  >>