للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقاتلهم خالد فقتل منهم أربعة وعشرين من قريش، وأربعة نفر من هذيل. ورأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بارقة السيوف من بعيد، فأنكر ذلك، فقيل له: إنه خالد قوتل فقاتل، فقال:

«قضاء الله خير» «٥٢» .

روى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر والحاكم عن أنس، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما انتهى إلى ذي طوى وقف على راحلته معتجرا (متعمما) بشقة برد حبرة، وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليضع رأسه تواضعا لله، حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى إن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل.

وروى البخاري عن معاوية بن قرة قال: سمعت عبد الله بن مغفل يقول: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح، يرجّع، وقال: لولا أن يجتمع الناس حولي لرجّعت كما رجع.

ودخل صلّى الله عليه وسلم مكة متجها إلى البيت، وحوله ثلاث مئة وستون صنما، فجعل يطعنها الواحدة تلو الأخرى بعود في يده، وهو يقول: «جاء الحق وزهق الباطل. جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد» «٥٣» . وكان في جوف البيت أيضا آلهة، فأبى أن يدخل وفيه الآلهة، وأمر بها فأخرجت وأخرجت صور لإبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام. فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «قاتلهم الله لقد علموا ما استقسما بها قط. ثم دخل البيت فكبّر في نواحي البيت وخرج ولم يصل فيه» «٥٤» .

وكان قد أمر صلّى الله عليه وسلم عثمان بن طلحة (وهو من حجبة البيت) أن يأتيه بالمفتاح، فجاءه به، ففتح البيت، ثم دخل النبي صلّى الله عليه وسلم البيت، ثم خرج فدعا عثمان بن طلحة فدفع إليه المفتاح، وقال له: خذوها خالدة مخلدة، إني لم أدفعها إليكم (أي حجابة البيت) ولكن الله دفعها إليكم، ولا ينزعها منكم إلا ظالم. يشير بقوله هذا إلى قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها «٥٥» [النساء ٤/ ٥٨] .

وأمر رسول الله بلالا فصعد فوق ظهر الكعبة فأذن للصلاة. وأقبل الناس كلهم يدخلون في دين الله أفواجا. قال ابن إسحاق: وأمسك النبي صلّى الله عليه وسلم بعضادتي باب الكعبة وقد اجتمع الناس من حوله ما يعلمون ماذا يفعل بهم، فخطب فيهم قائلا:

«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا


(٥٢) رواه ابن سعد في الطبقات، وروى ابن حجر عن موسى بن عقبة نحوه، وفي سيرة ابن هشام أن الذين قتلوا من المشركين ثلاثة عشر أو أربعة عشر. والحديث رواه البخاري باختصار، راجع فتح الباري: ٨/ ٨ و ٩.
(٥٣) متفق عليه.
(٥٤) رواه البخاري. وروى مسلم أنه صلّى الله عليه وسلم دخل البيت فصلى فيه، وسنذكر تحقيق ذلك في التعليق إن شاء الله.
(٥٥) رواه الطبراني من مرسل الزهري، وابن أبي شيبة، وابن إسحاق. وانظر فتح الباري: ٨/ ١٤

<<  <   >  >>