للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صلحا، وكان الممثل لقريش في هذا الصلح هو أبو سفيان، وكان الاتفاق والشرط فيه على أنه:

من أغلق بابه فهو آمن، ومن أسلم فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، إلا ستة أنفس هدر دمهم.

وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنه دخلها عنوة، واستدلوا على ذلك بالطريقة التي دخل بها المسلمون مكة، وبما كانوا يحملونه من السلاح وعدة الحرب.

واتفق الكل على أنه صلّى الله عليه وسلم لم يغنم منها مالا ولم يسب فيها ذرية، فأما من ذهب إلى أنها فتحت صلحا فسبب ذلك واضح، وأما من ذهب إلى أنها فتحت عنوة فقد قالوا إن الذي منع الرسول صلّى الله عليه وسلم من قسمتها شيء آخر تمتاز به مكة عن بقية البلاد، فإنها دار النسك ومتعبّد الحق وحرم الرّب تعالى، فكأنه وقف من الله تعالى على العالمين، ولهذا ذهب بعض العلماء ومنهم أبو حنيفة إلى منع بيع أراضي ودور مكة المكرمة «٧١» .

هذه خلاصة عن بعض الأحكام والعبر التي تؤخذ من أحداث الفتح الكبير لمكة المكرمة، وحسبنا هذا القدر من ذلك والله أعلم.

[غزوة حنين]

وقد كانت في شوال سنة ثمان من هجرة النّبي صلّى الله عليه وسلم.

وسببها أن الله جلّ جلاله، حينما فتح على رسوله مكة، ودانت له قريش بعد بغيها وعدوانها، مشت أشراف هوازن وثقيف بعضها إلى بعض، وقد توغر صدورهم للنصر الذي آتاه الله رسوله والمؤمنين. فحشدوا حشودا كبيرة، وجمع أمرهم مالك بن عوف سيّد هوازن، وأمرهم فجاؤوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم، حتى نزلوا بأوطاس (مكان بين مكة والطائف) ، وإنما أمرهم بذلك حتى يجد كل منهم ما يحبسه عن الفرار، وهو الدفاع عن الأهل والمال والولد! ..

وأجمعوا المسير إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فخرج إليهم صلّى الله عليه وسلم لست ليال خلون من شوال «٧٢» في اثني عشر ألفا من المسلمين، عشرة آلاف من أهل المدينة، وألفين من أهل مكة «٧٣» .

وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي ليذهب فيدخل بين المشركين ويقيم فيهم ويعلم أخبارهم ثم يعود بذلك إليه صلّى الله عليه وسلم. فانطلق حتى دخل بينهم وطاف بمعسكرهم ثم جاءه بخبرهم.


(٧١) راجع الأحكام السلطانية: ١٦٤، وزاد المعاد لابن القيم: ٢/ ١٧٤
(٧٢) طبقات ابن سعد: ٤/ ٢٠٠
(٧٣) طبقات ابن سعد: ٤/ ٣٠٠، وسيرة ابن هشام.

<<  <   >  >>