للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان قد ذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أن عند صفوان بن أمية أدراعا وأسلحة، فأرسل إليه- وهو يومئذ مشرك- فطلب منه تلك الدروع والأسلحة. فقال صفوان: «أغصبا يا محمد؟! .. قال: بل عارية، وهي مضمونة حتى نؤديها إليك. فأعطاه مئة درع بما يكفيها من السلاح» «٧٤» .

وعلم مالك بن عوف بمقدم الرسول صلّى الله عليه وسلم، فعبأ أصحابه في وادي حنين وانتشروا يكمنون في أنحائه، وأوعز إليهم أن يحملوا على محمد صلّى الله عليه وسلم وأصحابه، حملة واحدة.

ووصل المسلمون إلى وادي حنين، فانحدروا فيه في غبش الصبح، فما راعهم إلا الكتائب خرجت إليهم من مضايق الوادي وشعبه وقد حملوا حملة واحدة على المسلمين، فانكشفت الخيول وانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد منهم على آخر.

وانحاز رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذات اليمين، ثم نادى في الناس: «إليّ يا عباد الله، أنا النّبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب» . روى مسلم عن العباس رضي الله عنه قال: «شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ولم نفارقه، وهو على بغلة له بيضاء، فلما التقى المسلمون والكفار ولّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار. قال العباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلم أكفّها، إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: ناد أصحاب السمرة «٧٥» (وكان رجلا صيّتا) فقلت بأعلى صوتي يا أصحاب السمرة، قال: فو الله لكأنّ عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا: يا لبيك، يا لبيك.. وأقبلوا يقتتلون مع الكفار، وكان النداء: يا للأنصار، وأشرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم ينظر إلى قتالهم قائلا: الآن حمي الوطيس. ثم أخذ حصيّات من الأرض فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا وربّ محمد» «٧٦» .

وقذف الله في قلوب المشركين الرعب، فانهزموا لا يلوي واحد منهم على أحد، واتبع المسلمون أقفاءهم يقتلون ويأسرون، فما رجع الناس إلا والأسرى مجندلة بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

وفي هذه الغزوة أعلن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قائلا: «من قتل قتيلا له عليه بيّنة فله سلبه» «٧٧» .

فروى ابن إسحاق وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لقد استلب أبو طلحة يوم حنين عشرين رجلا وحده، هو قتلهم.


(٧٤) رواه ابن إسحاق بسند صحيح، ورواه عن طريقه ابن جرير وابن سيّد الناس.
(٧٥) هي الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان عام الحديبية.
(٧٦) رواه مسلم، وروى نحوه باختصار البخاري أيضا، وترويه بتفصيل كل كتب السيرة.
(٧٧) متفق عليه.

<<  <   >  >>