للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله وعلى أصحابك البررة من الأنصار والمهاجرين. وجمعنا تحت لوائك المحمود، وجعلنا مع أولئك الذي سيلقونك على الحوض يوم القيامة.

[غزوة تبوك]

وسببها على ما رواه ابن سعد وغيره، أنه بلغ المسلمين من الأنباط الذين كانوا يتنقلون بين الشام والمدينة للتجارة، أن الروم قد جمعت جموعا وأجلبت إلى جانبها لخم وجذام وغيرهم من نصارى العرب الذين كانوا تحت إمرة الروم، ووصلت طلائعهم إلى أرض البلقاء. فندب النبي صلّى الله عليه وسلم الناس إلى الخروج، وروى الطبراني من حديث ابن حصين أن جيش الروم كان قوامه أربعين ألف مقاتل «٩٥» .

وكان ذلك في شهر رجب سنة تسع من الهجرة، وكان الفصل صيفا، وقد بلغ الحر أقصاه، والناس في عسرة من العيش، وكانت ثمار المدينة- في الوقت نفسه- قد أينعت وطابت، فمن أجل ذلك أعلن رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الجهة التي سيتجهون إليها، وذلك على خلاف عادته في الغزوات الأخرى.

قال كعب بن مالك: «لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورّى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة، غزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلم في حرّ شديد واستقبل سفرا ومفازا وعدوا كثيرا، فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم» «٩٦» .

وهكذا، فقد كانت الرحلة في هذه الغزوة ثقيلة على النفس، فيها أقسى مظاهر الابتلاء والامتحان، فأخذ نفاق المنافقين يعلن عن نفسه هنا وهناك، على حين أخذ الإيمان الصادق يعلن عن نفسه في صدور أصحابه.

أخذ أقوام من المنافقين يقولون لبعضهم: لا تنفروا في الحر.. وجاء آخر «٩٧» يقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: ائذن لي ولا تفتني، فو الله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجبا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر. فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأذن له فيما أراد «٩٨» وعسكر عبد الله بن أبي بن سلول في ضاحية بالمدينة مع فئات من أصحابه وحلفائه، فلما سار النبي صلّى الله عليه وسلم، تخلف بكل من معه!.


(٩٥) انظر طبقات ابن سعد: ٣/ ٢١٨، وفتح الباري: ٨/ ٨٧
(٩٦) متفق عليه.
(٩٧) هو الجد بن قيس.
(٩٨) رواه ابن إسحاق وابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس، ورواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة، وانظر الإصابة: ١/ ٢٣٠

<<  <   >  >>