للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة ٩/ ١٠٧- ١٠٨] .

ومعنى قوله تعالى ضِراراً أنهم إنما بنوه ضرارا لمسجد قباء. وقوله تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ إشارة إلى مسجد قباء.

[العبر والعظات:]

تعتبر قصة هذا المسجد، قمة الكيد الذي وصل إليه المنافقون بالنسبة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه المسلمين. وليس هو هذه المرة نفاقا فحسب، بل هو مؤامرة وكيد يدبّر ضدّ المسلمين..

ولذلك، لم يكن موقف النّبي صلّى الله عليه وسلم من هذا الأمر، استمرارا لموقف التجاهل والإهمال، وإنما كان له موقف آخر، استلهمه بوحي من ربّه جلّ جلاله.

وكان هذا الموقف هو الكشف عن حقيقة المنافقين وتعرية أهدافهم عن تلك الأقنعة التي ستروها بها، ثم هدم وتحريق ذلك البناء الذي زعموه مسجدا، وهم إنما بنوه مرصدا لنفاق المنافقين وموئلا لتنظيم المكائد ضد المسلمين، وذريعة للتفريق.

وإن قصة هذا الكيد الأخير من المنافقين، مع القصص السابقة لنفاقهم وكيدهم- تعطينا صورة كاملة عن مجموع حكم الشريعة الإسلامية في حقهم.

فهم في كل ما يصدر عنه من كذب وإظهار لغير ما يظنون، يتركون لظواهرهم في الدنيا، وتوكل ضمائرهم إلى الله عزّ وجلّ وحكمه فيهم يوم القيامة. ولكنهم فيما قد يصدرون عنه من مؤامرات ومساع ضدّ المسلمين، يؤخذون من النواصي متلبسين بجريمتهم، كما ينبغي أن يدكّ ويهدم كل ما قد بنوه من مكائد ومؤامرات.

وقد دلّ على ذلك مجموع سياسته صلّى الله عليه وسلم ومعاملته مع هؤلاء المنافقين، وهو ما اتفق عليه عامة الأئمة الباحثين استنادا إلى هديه صلّى الله عليه وسلم في ذلك.

هذا وإنك إذا تأملت في خطوات هذا الكيد المتلصص من المنافقين، وكيفيته ووسائله، علمت أن طبيعة النفاق واحدة في كل عصر وزمان، وأن وسيلة المنافقين لا تتبدل ولا تختلف، وأنهم هم دائما في جبنهم الذليل وكيدهم الحقير وفي ابتعادهم عن النور وتعلقهم بالظلام.

فهم الذين دائما يسجدون بجباههم على أقدام المستعمر الأجنبي ليعينهم في وسيلة حرب ضدّ إسلام المسلمين في بلدهم، حتى إذا انفتلوا إلى بني قومهم من المسلمين المؤمنين، تظاهروا بالإسلام واصطنعوا مظهر الإعجاب به والدعوة إليه. فإذا أمكنتهم الفرصة من خنق حقيقة من حقائق هذا الدين والقضاء على بعض دعاته أعلنوا أنهم يقومون برسالة تطويره وأنهم إنما يقضون على مستغليه من أعداء الأمة!

<<  <   >  >>