للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأمر الدعوة إلى الإسلام وتعليم مبادئه وأحكامه أن مسؤولية الإسلام في أعناق المسلمين في كل عصر وزمن ليست من السهولة واليسر كما يتصور معظمهم اليوم.

فلا يكفي أن ندّعي الإسلام بألسنتنا المجردة، كما لا يكفي أن يكون نصيبه من حياتنا بعض أعمال يسيرة، كانت في أصلها جليلة، ثم تحولت في حياتنا إلى عادات وتقاليد، بل ولا يكفي أن يتمسك الواحد منا بالإسلام لنفسه فقط، ثم يغلق بابه دونه لا يسأل عن شيء.

لا ترتفع مسؤولية الإسلام عن أعناق المسلمين حتى يضيفوا إلى هذا، القيام بواجب الدعوة إليه والتبشير به، والسفر في سبيل ذلك إلى شتى الجهات والقرى والبلدان.

تلك هي الأمانة التي ألقاها رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أعناقنا، وذلك هو الواجب الذي لا محيص عنه في كل عصر ومكان. وقد أجمع العلماء والأئمة الأربعة أن القيام بحق هذه الدعوة في داخل البلدة التي يقيم بها المسلمون وخارجها، فرض كفاية على كل المسلمين، ولا يتحللون من مسؤوليته وجريرة التقصير فيه إلا بقيام جمهرة منهم تنتشر فيما تستطيع أن تنتشر فيه من الجهات والبلدان داعية إلى الله تعرض حجج الإيمان وبراهين الإسلام وتزيل ما قد يعترض أذهان الناس إلى ذلك من الشبه والوساوس المختلفة، بحيث تقع أعمال هذه الجمهرة موقعا من الكفاية في القيام بهذا الواجب. وما لم تتوفر هذه الفئة في كل بلدة من بلاد الإسلام فجميع أهل تلك البلدان آثمون.

والصحيح الذي ذهب إليه جمهور الأئمة والفقهاء، أن هذا الواجب الخطير لا يتعلق بأعناق الذكور من المسلمين فقط، بل هو عام يشمل الرجال والنساء والأحرار والعبيد، ما داموا داخلين في ربقة التكليف قادرين على القيام بأعباء الدعوة والتوجيه، كل حسب حدود إمكاناته ووسائل استطاعته ١٣» .

*** ثم إن التوصية التي زود بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم معاذا وأبا موسى الأشعري، تدل على بعض الآداب التي يجب أن يتحلى بها الداعي إلى الله تعالى أثناء ما يقوم به من توجيه وتعليم.

فمن ذلك أن يغلّب جانب التيسير على التشديد والتضييق، وأن يعتمد على التبشير أكثر من الإنذار أو التهديد، وهو ما سماه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالتنفير.

وقد أوضح ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمثال تطبيقي، فأمر معاذا أن يدعو الناس أولا إلى الإقرار بالشهادتين، فإن هم استجابوا لذلك، فليدعهم إلى إقام الصلاة، فإن هم استجابوا لذلك، فليدعهم إلى دفع الزكاة.. وهكذا.


(١٣٣) انظر مغني المحتاج: ٤/ ٢١١، والأحكام السلطانية للماوردي.

<<  <   >  >>