للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر بين يديه، وقالوا له: رأينا إنما هو رأيك. وعندئذ أخذ يستشير أعيان الصحابة، كلّا منهم على انفراد، ولما رأى اتفاقهم على جدارة عمر وفضله، طلع على الناس وأخبرهم أنه لم يأل جهدا في اختيار من هو أصلح لهم من بعده، وأنه قد استخلف عليهم عمر، فقالوا جميعا: سمعنا وأطعنا «٥» .

على أيّ أساس أصبح عمر خليفة؟

قد يظن البعض أن هذه الطريقة في تنصيب الخليفة تشبه أن تكون باختيار شخص واحد بعيدا عن الشورى التي ينبغي أن تعتمد على أهل الحل والعقد من عامة المسلمين.

غير أنّا إذا أمعنا النظر رأيناها في مضمونها قائمة على مشورة أهل الحلّ والعقد. إذ إن أبا بكر لم يستخلف عليهم إلا بعد أن استشار أعيان الصحابة فارتأوا جميعا عمر وزكّوه له. ومع ذلك فإن استخلافه له لم يصبح في حكم المنعقد والمستقر، إلّا بعد أن خطب في الصحابة وسألهم أن يسمعوا ويطيعوا لعمر، فقالوا جميعا سمعنا وأطعنا، وبعد أن أجمع المسلمون بعد وفاته على صحة ما فعله أبو بكر وشرعية استخلافه. فكان ذلك دليلا من الإجماع على انعقاد الإمامة عن طريق العهد والاستخلاف بشروطه الشرعية المعتبرة «٦» .

[كتاب العهد إلى عمر:]

بعد أن رأى أبو بكر موافقة الناس جميعا على استخلافه عمر عليهم، دعا عثمان بن عفان وأملى عليه الكتاب التالي:

«بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عهد به أبو بكر خليفة رسول الله عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويوقن فيها الفاجر؛ إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن صبر وعدل فذلك علمي به ورأيي فيه، وإن جار وبدّل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، ولكل امرئ ما اكتسب، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون» .

ثم ختمه، وخرج به عثمان فقرأه على الناس، وبايعوا عمر بن الخطاب. وكان ذلك في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة.

[العبر والعظات:]

يدلّنا ما ذكرناه من الأحداث التي وقعت في خلافة أبي بكر رضي الله عنه على أمور ومبادئ كثيرة نجملها فيما يلي:

أولا- إنما تّمت خلافة أبي بكر رضي الله عنه عن طريق الشورى، وقد اشترك في الأخذ بها سائر أهل الحلّ والعقد من الصحابة بمن فيهم سيّدنا علي رضي الله عنه. وقد دلّ ذلك على أن شيئا


(٥) انظر تاريخ الطبري: ٣/ ٤٢٨، وسيرة عمر بن الخطاب لابن الجوزي: ٣٦
(٦) البداية والنهاية لابن كثير: ٧/ ١٨

<<  <   >  >>