للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مقتل عمر رضي الله عنه:]

وقد كان مقتل عمر على يد غلام مجوسي اسمه عبد المغيرة يكنى أبا لؤلؤة. وقد ذكر في سبب قتله له أنه جاء إلى عمر يشكو من شدة الخراج وكثرته، فقال له: ما خراجك بكثير. فانصرف ساخطا يقول: يسع الناس كلّهم عدله غيري!! .. وأضمر قتله. واتّخذ خنجرا وشحذه وسمّه، وقد كان صاحب صناعات ومهارات شتى، فكمن له في إحدى زوايا المسجد، ولما خرج عمر كعادته إلى صلاة الفجر، هجم عليه فطعنه ثلاث طعنات سقط منها رضي الله عنه، ثم جعل يطعن كل من دنا إليه، فألقى عليه أحدهم ثوبا، ولما رأى أن قد تقيّد وتعثر فيه قتل نفسه بخنجره «٧» .

وهذا ما ذكره الرّواة في خبر مقتله، ولعل وراء ذلك مؤامرة ذات أطراف واسعة، تلاقت على حوكها أصابع يهودية ونجوسية وزنادقة من فئات شتى. ويبعد أن تكون هذه الجريمة نتيجة تصرف أو ضيق شخصي بسبب كثرة الخراج، والله أعلم.

ولما أخبر عمر رضي الله عنه بأن قاتله هو أبو لؤلؤة قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام. ثم قال لابنه: يا عبد الله انظر ما عليّ من الدّين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألف درهم. فقال: إن وفى مال آل عمر فأدّه من أموالهم، وإلّا فاسأل في بني عديّ، فإن لم تف أموالهم فاسأل في قريش. ثم قال له: اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة، فقل: يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه، فذهب إليها، فقالت: كنت أريده- تعني المكان- لنفسي، ولأوثرنّه اليوم على نفسي. فلما رجع وأخبر بذلك عمر حمد الله عزّ وجلّ.

[استخلاف عمر لواحد من أهل الشورى:]

قال بعض الصحابة لعمر استخلف من تراه صالحا من بعدك. فجعل الأمر من بعده شورى بين ستة أشخاص، وهم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم. وتحرّج أن يجعلها لواحد من هؤلاء على التّعيين، وقال: لا أتحمل أمرهم حيّا وميتا، وإن يرد الله بكم خيرا يجمع أمركم على خير هؤلاء كما جمعكم على خيركم بعد نبيّكم صلّى الله عليه وسلم.

وهكذا، فإن عمر أول من شكّل هذه الفئة من الصحابة، وسميت بأهل الشورى. وعهد بأمر الخلافة من بعده إليها، فكانوا بذلك بمثابة أعلى هيئة سياسية في الحكم.

وقد أوصى عمر رضي الله عنه أن يحضر مجلسهم عبد الله بن عمر مستشارا وناصحا فقط، لا مرشّحا أو منتخبا، كما أوصى أن يصلي بالناس صهيب الرومي ثلاثة أيام، ريثما ينقضي التشاور في الأمر ويجتمع المسلمون على خليفة لهم.


(٧) انظر تفصيل ذلك في تاريخ الطبري: ٤/ ١٩٠، والبداية والنهاية لابن كثير: ٧/ ١٣٧

<<  <   >  >>