للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كيف تمّ اختيار عثمان:

اجتمع أهل الشورى الذين عيّنهم عمر في بيت من البيوت يتشاورون في هذا الأمر، ووقف طلحة بوابا يمنع دخول الناس عليهم، وانتهوا إلى أن فوّض ثلاثة منهم الأمر إلى الثلاثة الآخرين، ففوّض الزبير الأمر إلى عليّ، وفوّض سعد إلى عبد الرحمن بن عوف، وترك طلحة حقه إلى عثمان. فقال عبد الرحمن لعليّ وعثمان: أيكما يبرأ من هذا الأمر فنفوّض الأمر إليه؟ فسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: إني أترك حقي من ذلك، والله عليّ والإسلام أن أجتهد فأوليّ أولا كما بالحق، فقالا: نعم، ثم خاطب كلّا منهما بما فيه من الفضل، وأخذ عليه العهد والميثاق لئن ولّاه ليعدلنّ، ولئن ولّي عليه ليسمعن ويطيعن، فقال كل منهما نعم، ثم تفرقوا.

ثم نهض عبد الرحمن بن عوف يستشير الناس فيهما، فاستشار رؤوس الناس وقادتهم جميعا وأشتاتا، مثنى وفرادى ومجتمعين، سرّا وجهرا، وانتهى إلى النساء المخدّرات في حجبهن، ثم سأل الولدان في المكاتب، وسأل من يرد من الركبان والأعراب إلى المدينة، طوال ثلاثة أيام بلياليها.

فلم يجد اثنين يختلفان في تقديم عثمان بن عفان، إلا ما ذكر من أن عمار بن ياسر والمقداد أشارا بعليّ رضي الله عنه، ثم انضمّا إلى رأي عامة الناس.

ثم اجتمع عبد الرحمن في اليوم الرابع بعليّ وعثمان في دار ابن أخته المسور بن مخرمة. فقال:

إني سألت الناس عنكما فلم أجد أحدا يعدل بكما أحدا. ثم خرج بهم إلى المسجد وبعث إلى وجوه الناس من الأمصار والمهاجرين، فامتلأ المسجد حتى غصّ بالناس. ثم صعد عبد الرحمن بن عوف منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فتكلم ودعا دعاء طويلا، ثم قال: أيها الناس إني سألتكم سرّا وجهرا بأمانيكم، فلم أجدكم تعدلون بأحد من هذين الرجلين، إما علي وإما عثمان. فقم إليّ يا عليّ، فقام إليه فأخذ عبد الرحمن بيده فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنّة نبيّه وفعل أبي بكر وعمر؟ فقال: اللهم لا، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي. فأرسل يده وقال: قم إليّ يا عثمان.

فأخذ بيده فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنّة رسوله وفعل أبي بكر وعمر؟ قال: اللهم نعم. قال فرفع عبد الرحمن رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان قائلا: اللهم اسمع واشهد، اللهم اسمع واشهد، اللهم إني قد خلعت ما في رقبتي من ذلك وجعلته في رقبة عثمان. فازدحم الناس يبايعون عثمان تحت المنبر، وبايعه عليّ رضي الله عنه أول الناس وقيل آخرهم «٨» .

[العبر والعظات:]

أولا- علمنا أن من أول الأعمال التي قام بها عمر رضي الله عنه عزله لخالد بن الوليد. ولقد


(٨) ملخصا عن البداية والنهاية لابن كثير: ٧/ ١٤٧

<<  <   >  >>