للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعلوم أن المبشرين ومعظم المستشرقين، هم الخصوم المحترفون للإسلام، يتخذون القدح في هذا الدين صناعة يتفرغون لها ويتكسبون منها كما هو معلوم. أما الأغرار الذين يسيرون من ورائهم، فأكثرهم يخاصمون الإسلام على السماع والتقليد، ولا يعنيهم أن يفتحوا أذهانهم لبحث ولا فهم، إنما هو هواية التقليد والاتباع، فخصامهم للإسلام ليس إلا من نوع الشارة التي قد يعلقها الرجل على صدره لمجرد أن يعرف بها بين الناس انتماؤه لجهة معينة، ومعلوم أن الشارة ليست أكثر من رمز، فخصومة هؤلاء للإسلام ليست سوى الرمز الذي يعلنون به عن هويتهم بين الناس: أنهم ليسوا من هذا التاريخ الإسلامي في شيء، وأن ولاءهم إنما هو لهذا الفكر الاستعماري الذي يتمثل فيما يدعو إليه دعاة الاستعمار الفكري من مبشرين ومستشرقين. فهذا هو اختيارهم، من قبل أي بحث ودون محاولة أي فهم! .. أجل، فإن مخاصمتهم للإسلام ليست إلا مجرد شارة يسمون بها أنفسهم بين قومهم وبني جلدتهم، وليس عملا فكريا لقصد البحث أو الحجاج.

وإلّا، فموضوع زواج النبي صلّى الله عليه وسلم من أهون ما يمكن أن يستدل منه المسلم المتبصر، العارف بدينه والمطلع على سيرة نبيه، على عكس ما يروجه خصوم هذا الدين تماما.

يريدون أن يلصقوا به صلّى الله عليه وسلم صورة الرجل الشهواني الغارق في لذات الجسد! .. وموضوع زواجه عليه الصلاة والسلام هو وحده الدليل الكافي على عكس ذلك تماما. فالرجل الشهوان، لا يعيش إلى الخامسة والعشرين من العمر في بيئة مثل بيئة العرب في جاهليتها، عفيف النفس، دون أن ينساق في شيء من التيارات الفاسدة التي تموج من حوله. والرجل الشهوان، لا يقبل بعد ذلك أن يتزوج من أيم لها ما يقارب ضعف عمره، ثم يعيش معها دون أن تمتد عينه إلى شيء مما حوله وإن من حوله الكثير وله إلى ذلك أكثر من سبيل، إلى أن يتجاوز مرحلة الشباب، ثم الكهولة، ويدخل في مدارج الشيخوخة.

أما زواجه بعد ذلك من عائشة ثم من غيرها، فإن لكل منهن قصة، ولكل زواج حكمة وسبب يزيدان من إيمان المسلم بعظمة محمد صلّى الله عليه وسلم ورفعة شأنه وكمال أخلاقه. وأيا كانت الحكمة والسبب فإنه لا يمكن أن يكون مجرد قضاء الوطر واستجابة للرغبة الجنسية، إذ لو كان كذلك لكان أحرى به أن يستجيب للوطر والرغبة النفسية في الوقت الطبيعي لهذه الرغبة وندائها.. خصوصا وقد كان إذ ذاك خالي الفكر ليس له من هموم الدعوة ومشاغلها ما يصرفه عن حاجاته الفطرية والطبيعية.

ولسنا نرى الإطناب في الدفاع عن زواجه عليه الصلاة والسلام، على نحو ما يفعل كثير من الباحثين، إذ لا نعتقد أن ثمة مشكلة تحتاج إلى النظر أو البحث، وإن أوهم خصوم الإسلام ذلك.

ورب حق من حقائق الإسلام، لا يطمع خصومه لإبطاله، بأكثر من استجرار المسلمين إلى مناقشة دفاعية في شأنه.

<<  <   >  >>