للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إياهم أنه نازل عند شروطهم فجاؤوا بها وهي مطوية، فقال أبو طالب: إن ابن أخي قد أخبرني.

ولم يكذبني قط، أن الله تعالى قد سلط على صحيفتكم التي كتبتم الأرضة فأتت على كل ما كان فيها من جور وقطيعة رحم، فإن كان الحديث كما يقول فأفيقوا وارجعوا عن سوء رأيكم، فو الله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلا دفعنا إليكم صاحبنا ففعلتم به ما تشاؤون.

فقالوا: قد رضينا بالذي تقول. ففتحوا الصحيفة فوجدوا الأمر كما أخبر الصادق المصدوق صلّى الله عليه وسلم.

فقالوا: هذا سحر ابن أخيك!» .. وزادهم ذلك بغيا وعدوانا.

ثم إن خمسة من رؤساء المشركين من قريش، مشوا في نقض الصحيفة، وإنهاء هذا الحصار، وهم: هشام بن عمرو بن الحارث، وزهير بن أمية، والمطعم بن عدي، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود.

وكان أول من سعى إلى نقضها بصريح الدعوة زهير بن أمية، أقبل على الناس عند الكعبة فقال: «يا أهل مكة، أنأكل الطعام، ونلبس الثياب وبنو هاشم والمطلب هلكى لا يباعون ولا يبتاع منهم؟ .. والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة» .

ثم قال بقية الخمسة نحوا من هذا الكلام. ثم قام المطعم بن عدي إلى الصحيفة فمزقها، ثم انطلق هؤلاء الخمسة، ومعهم جماعة، إلى بني هاشم وبني المطلب ومن معهم من المسلمين فأمروهم بالخروج إلى مساكنهم.

[العبر والعظات:]

هذه القطعة الظالمة، تصور قمة الشدة التي لقيها النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه طوال ثلاثة أعوام.

وقد رأيت أن المشركين من بني هاشم وبني المطلب، شاركوا المسلمين في تحملها، ولم يرضوا أن يتخلوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

وليس لنا من حديث عن هؤلاء المشركين وسبب موقفهم هذا، فقد كان الذي دفعهم إليه حمية القرابة والرحم، وإباء الذل الذي كان يتلبس بهم لو أنهم خلوا بين محمد صلّى الله عليه وسلم ومشركي قريش من غير بني هاشم وبني المطلب يقتلونه ويفتكون به، بقطع النظر عن العقيدة والدين.

فقد آثروا إذن أن يجمعوا بين رغبتين في صدورهم:

الأولى: الثبات على الشرك والاستكبار على الحق الذي جاءهم به محمد صلّى الله عليه وسلم.

الثانية: الانصياع للحمية التي تدعو إلى حماية القريب من بطشة الغريب وظلمه، بحق كان أو بباطل.

أما المسلمون، وعلى رأسهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإنما صبّرهم على ذلك الانصياع لأمر الله وإيثار الآخرة على الدنيا، وهوان الدنيا عندهم في جنب مرضاة الله عز وجل، وهذا ما يهمنا أن نبحث فيه.

<<  <   >  >>