للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد تسمع بعض المبطلين من محترفي الغزو الفكري، يقولون:

«إن عصبية بني هاشم وبني المطلب، كانت تكمن خلف دعوة محمد صلّى الله عليه وسلم وكانت تحوطها بالرعاية والحفظ! .. والدليل على ذلك موقفهم السلبي من مشركي قريش في مقاطعتهم للمسلمين» .

وإنها لمغالطة مكشوفة، لا يتماسك عليها حجاب أي منطق ولو كان صوريا.

ذلك لأن من الطبيعي جدا أن تقود الحمية الجاهلية بني المطلب وبني هاشم إلى الذود عن حياة ابن عم لهم، عندما تتهددها يد غريبة ويدنو إليها بالسوء شخص دخيل.

والحمية الجاهلية، إذ تدفع ذوي القرابة إلى مثل هذا التعصب، لا تنظر إلى مبدأ، ولا تتأثر في ذلك بحق أو بباطل، وإنما هي العصبية ولا شيء غير العصبية.

ولذلك أمكن أن يجتمع في ذوي قرباه صلّى الله عليه وسلم صفتان متناقضتان بحسب الظاهر، الاستكبار على دعوته والجحود بها، والانتصار له ضدّ سائر المشركين من قريش.

ومع ذلك، فأي فائدة حققوها للنبي صلّى الله عليه وسلم من وراء اعتصامهم معه؟ لقد أوذوا كما أوذي هو وأصحابه، ومضت قريش في قطيعتها للمسلمين بالضراوة والشراسة اللتين أرادتهما دون أن يخفف بنو هاشم وبنو المطلب من غلوائهما شيئا.

والمهم أن تعلم بأن حماية أقارب رسول الله صلّى الله عليه وسلم له، لم تكن حماية للرسالة التي بعث بها، وإنما كانت حماية لشخصه من الغريب، وإذا أمكن أن تستغلّ هذه الحماية، من قبل المسلمين، وسيلة من وسائل الجهاد والتغلب على الكافرين والرد لمكائدهم وعدوانهم، فأنعم بذلك من جهد مشكور، وسبيل يتنبهون إليها.

*** أما رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ومعه أصحابه المؤمنون، فما الذي كان يمسكهم على هذا الضيق الخانق؟ .. وأي غاية كانوا يتأملونها من وراء الثبات على الشدة؟ ..

بماذا يجيب على هذا السؤال، أولئك الذين يتأولون رسالة محمد صلّى الله عليه وسلم وإيمان أصحابه بها على أنها ثورة يسار ضدّ يمين أي ثورة الفقراء المضطهدين ضدّ الأغنياء المترفين؟

تصور هذه السلسلة التي استعرضناها، من حلقات الإيذاء والتعذيب، لرسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمين، ثم أجب على ضوئها، كيف يستقيم أن تكون دعوة الإسلام ثورة اقتصادية ألهبها الجوع وقادها الحقد على تجار مكة وأرباب الفعاليات الاقتصادية فيها؟ ..

لقد عرض المشركون على محمد صلّى الله عليه وسلم الملك والثراء والزعامة، على أن يتخلى عن الدعوة إلى الإسلام، فلماذا لم يرض عليه الصلاة والسلام بذلك؟ ولماذا لم يثر عليه أصحابه ولم يضغطوا عليه

<<  <   >  >>