للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومسح الران عن القلوب، فعرفت اليقين الذي فطرت عليه، وحرمتها الجاهلية منه، إنه وصل البشر بربهم، فربطهم بنسبهم العريق، وسببهم الوثيق، وكانوا قبلا- حيارى محسورين، إنه وازن للناس بين الخلود والفناء، فاثروا الدار الاخرة على الدار الزائلة، وخيّرهم بين أصنام حقيرة وإله عظيم، فازدروا الأوثان المنحوتة، وتوجّهوا للذي فطر السموات والأرض.

حسب محمّد صلى الله عليه وسلم أن قدّم هذا الخير الجزيل، وحسب أصحابه أن ساقته العناية لهم، فإذا أوذوا فليحتسبوا، وإذا حاربهم عبيد الرجس من الأوثان، فليلزموا ما عرفوا، والحرب القائمة بين الكفران والإيمان سينجلي غبارها يوما ما، ثم تنكشف عن شهداء وعن هلكى، وعن مؤمنين قائمين بأمر الله ومشركين مدحورين بإذن الله:

وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣) [هود] .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبثّ عناصر الثقة في قلوب رجاله، ويفيض عليهم ما أفاضه الله على فؤاده من أمل رحيب في انتصار الإسلام، وانتشار مبادئه، وزوال سلطان الطغاة أمام طلائعه المظفّرة في المشارق والمغارب، وقد اتخذ المستهزئون من هذه الثقة مادة لسخريتهم وضحكهم؛ كان الأسود بن المطّلب وجلساؤه إذا رأوا أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يتغامزون بهم، ويقولون:

قد جاءكم ملوك الأرض الذين سيغلبون غدا على ملك كسرى وقيصر، ثم يصفّرون ويصفقون!!.

وتواصى المشركون بعد مصادرة الدعوة بهذا الأسلوب أن يمنعوا الوافدين إلى مكة من الاستماع إليها، قال الوليد بن المغيرة لرجالات قريش: إن الناس يأتونكم أيام الحج، فيسألونكم عن محمد، فتختلف فيه أقوالكم، يقول هذا:

ساحر، ويقول هذا: كاهن، ويقول هذا: شاعر، ويقول هذا: مجنون، وليس يشبه واحدا مما يقولون، ولكن أصلح ما قيل فيه: ساحر؛ لأنه يفرق بين المرء وأخيه وزوجته، وقد اقتسم هؤلاء المتامرون مداخل مكة أيام الموسم، يحذّرون الناس من الداعية الخارج على قومه، وينعتونه بما تواصوا به من سحر مفرّق!.

<<  <   >  >>