للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوثنيّة تسود الحضارة القديمة

إنّ تاريخ الحياة مؤسف!!.

منذ هبط ادم وبنوه في الأرض، ثم بعد أن شبّ بهم الزمن، واطّرد العمران، وتشعّبت الحضارات، وأدبرت أجيال، وأقبلت على أنقاضها أخرى، منذ ذلك الحين السحيق والناس أخلاط متنافرون، لا تستقيم بهم السّبل يوما إلا شردت أياما، ولا يشيمون «١» بوارق الحق حينا إلا أطبقت عليهم ظلمات الباطل أحيانا.

ولو تقصّينا تاريخ البشر- على ضوء الإيمان بالله والاستعداد للقائه- لوجدنا العالم أشبه بمخمور تربو فترات سكره على فترات صحوه، أو بمحموم غاب عنه في سورة الألم- رشده؛ فهو يهذي ولا يدري.

وقد كان في تجارب الناس مع أنفسهم ودنياهم مزدجر؛ يزع عن الشر، ويردّ إلى الخير، بيد أن الهوى الغالب لا تجدي معه معرفة.

كم سلخت الدنيا من عمرها قبل أن يظهر محمد صلى الله عليه وسلم؟!.

لقد مرّت عليها قرون طوال أفادت فيها علما كثيرا، ووعت تجارب خطيرة، ونمت اداب وفنون، وشاعت فلسفات وأفكار.

ومع ذلك فقد غلب الطيش، واستحكم الزّيغ، وسقطت أمم شتى دون المكانة المنشودة لها.

فماذا كان مصير الحضارات في مصر واليونان، وفي الهند والصين، وفي فارس وروما؟ لا أقصد مصيرها من ناحية السياسة والحكم، بل من ناحية العاطفة والعقل.

إن الوثنية الوضيعة اغتالتها؛ وفرضت عليها السقوط في هذه الوهدة «٢»


(١) يشيمون: يرون. (ن) .
(٢) الوهدة: الهوة في الأرض. (ن) .

<<  <   >  >>