للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقلت له: لو رأيت عمر ورقته وحزنه علينا ... قال: أطمعت في إسلامه؟ قلت:

نعم. فقال: لا يسلم حتى يسلم حمار الخطّاب!! - لما كان يراه الرجل من شدته وغلظته على المسلمين.

ولكنّ قلب المرأة كان أصدق من رأي الرجل، فإنّ غلظة عمر كانت قشرة خفيفة، تكمن وراءها ينابيع من الرّقة والعطف والسماحة.

والظاهر أنّ عمر كانت تصطرع في نفسه مشاعر متناقضة: احترامه للتقاليد التي سنّها الاباء والأجداد، واسترساله مع شهوات السّكر واللهو التي ألفها ...

ثم إعجابه بصلابة المسلمين، واحتمالهم البلاء في سبيل عقيدتهم، ثم الشكوك التي تساوره- كأيّ عاقل- في أنّ ما يدعو إليه الإسلام قد يكون أجلّ وأزكى من غيره، ولهذا ما إن يثور حتى يخور، ذهب ليقتل محمدا صلى الله عليه وسلم ثم ثنته عن عزمه كلمة. ولما علم بإسلام أخته وزوجها اقتحم عليهما البيت صاخبا متوعّدا، وضرب أخته فشجّها، وأعاده منظر الدم المراق إلى صوابه، فرجحت نواحي البر والخير في نفسه، وتناول ورقة كتبت فيها بعض الايات، وتلاها، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه!!.

واستكان عمر للحق، فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن إسلامه.

فلما خلصت نفسه من شوائبها، وتمحّضت للإسلام، كان مددا عظيما لجند الله، فازداد المسلمون به منعة، ووقعت في نفوس الكافرين منه حسرة.

ورأت قريش أنّ أمر الإسلام ينمو ويعلو، وأنّ وسائلها الأولى في محاربته لم تمنع انتشاره، أو تنفّر أنصاره، فأعادت النظر في موقفها كلّه، لترسم خطة جديدة أقسى وأحكم، وأدق وأشمل..

<<  <   >  >>