للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة جرت على هذا الغرار، فقد استبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم معه عليّا وأبا بكر، وأذن لسائر المؤمنين بتقدّمه إلى المدينة.

فأما أبو بكر رضي الله عنه فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له حين استأذنه ليهاجر: «لا تعجل، لعلّ الله أن يجعل لك صاحبا» «١» . وأحسّ أبو بكر رضي الله عنه كأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم يعني نفسه بهذا الرد!.

فابتاع راحلتين فحبسهما في داره، يعلفهما إعدادا لذلك.

وأما عليّ رضي الله عنه فإنّ الرسول صلى الله عليه وسلم هيأه لدور خاص، يؤديه في هذه المغامرة المحفوفة بالأخطار!.

قال ابن إسحاق: فحدّثني من لا أتّهم عن عروة بن الزبير، عن عائشة، أنها قالت: كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار: إما بكرة، وإما عشيا، حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه، أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، في ساعة كان لا يأتي فيها، قالت: فلمّا راه أبو بكر، قال: ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الساعة إلا لأمر حدث، فلمّا دخل، تأخّر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس عند رسول الله أحد إلا أنا وأختي أسماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخرج عني من عندك» ، قال: يا رسول الله! إنما هما ابنتاي، وما ذاك- فداك أبي وأمي-؟.

قال: «إنّ الله أذن لي بالخروج والهجرة» ، فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله؟ قال: «الصحبة» .

قالت عائشة: فو الله ما شعرت قطّ قبل ذلك اليوم أنّ أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذ يبكي!!.


(١) رواه ابن إسحاق: ٢/ ٢، بدون إسناد، لكن معناه فيما أخرجه البخاري: ٧/ ١٨٣- ١٩٧، من حديث عائشة الطويل في الهجرة، بلفظ: «وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي» ، فقال أبو بكر: هل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر- وهو الخبط- أربعة أشهر» ، ورواه أحمد أيضا: ٦/ ١٩٨، ثم وجدت له شاهدا من حديث ابن عمر بلفظ: الكتاب، رواه الطبراني بسند، قال الهيثمي ٦/ ٦٢: «فيه عبد الرحمن بن بشر الدمشقي، ضعفه أبو حاتم» .

<<  <   >  >>