للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم عاد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى بيته، فوجد قريشا بدأت تضرب الحصار حوله، وبعثت بالفتيان الذين وكل إليهم اغتيال محمد عليه الصلاة والسلام، وتفريق دمه بين القبائل!!.

وأوعز الرسول عليه الصلاة والسلام إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه في هذه الليلة الرهيبة أن يرتدي برده الذي ينام فيه، وأن يتسجّى به على سريره، وفي هجعة من الليل، وغفلة من الحرس، نسل الرسول عليه الصلاة والسلام من بيته إلى دار أبي بكر، ثم خرج الرجلان من خوخة في ظهرها إلى غار ثور ... إلى الغار الذي استودعته العناية مصير الرسالة الخاتمة، ومستقبل حضارة كاملة، وتركته في حراسة الصمت والوحشة والانقطاع..

[في الغار:]

وسارت الأمور على ما قدّرا، وكان أبو بكر قد أمر ابنه عبد الله أن يتسمّع لهما ما يقول الناس فيهما، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك من أخبار، وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره، ثم يريحها عليهما إذا أمسى في الغار، فكان عبد الله بن أبي بكر في قريش يسمع ما يأتمرون به، وما يقولون في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، ثم يأتيهما إذا أمسى فيقصّ عليهما ما علم، وكان عامر في رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر، فاحتلبا، وذبحا، فإذا غدا عبد الله من عندهما إلى مكة، أتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم يعفّي عليه.. وتلك هي الحيطة البالغة كما تفرضها الضرورات المعتادة على أي إنسان..

وانطلق مشركو مكة في اثار المهاجرين يرصدون الطرق، ويفتّشون كلّ مهرب، وراحوا ينقّبون في جبال مكة، وكهوفها، حتى وصلوا- في دأبهم- قريبا من غار ثور، وأنصت الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى أقدام المطاردين، تخفق إلى جوارهم، فأخذ الروع أبا بكر، وهمس يحدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو نظر أحدهم تحت قدمه لرانا، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: «يا أبا بكر! ما ظنّك باثنين الله ثالثهما» «١» .


(١) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ٧/ ٢٠٧؛ ومسلم: ٧/ ١٠٩، وغيرهما من حديث أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه.

<<  <   >  >>