للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[مرحلة الإعداد للجهاد]]

دخل الإسلام المدينة وأحزاب الكفر تطارده من كل ناحية، فأوى المسلمون إلى مهجرهم كما يأوي الجنديّ إلى قلعته الشامخة، وأخذوا يستعدّون حتى لا تقتحم عليهم من أقطارها، وهم تعلّموا من السنين الغبر التي مرت عليهم في مكة أنّ الضعف مدرجة إلى الهوان، مزلقة إلى الفتنة، والمرء لا يقدّر العافية حق قدرها إلا بعد الإبلال من المرض، ولا يعرف قيمة الغنى إلا عند التخلص من ذلّ الحاجة.

ومن أولى من المهاجرين والأنصار بالإفادة من عبر الماضي؟.

ذلك نبيّهم تعقّبه القتلة ألف ميل ليغتالوه، وذلك سواد المهاجرين نهب مالهم، وسلبت دورهم، وشرّدوا من البلد الحرام. إنّ «حالة الحرب» قائمة يقينا بين طغاة مكة وبين المسلمين في وطنهم الجديد، ومن السفه تحميل المسلمين أوزار هذا الخصام.

على أنّ العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وصحبه تجاوزت قريشا إلى غيرهم من مشركي الجزيرة الضالة، ولن تذهب الفروض بنا بعيدا، فإنّ عبدة الأصنام من أهل المدينة نفسها شرعوا يجاهرون بخصومتهم للإسلام، وانضمّ إلى هؤلاء وأولئك اليهود الذين أوجسوا خيفة من انتشار هذا الدين واندحار الوثنية العربية أمامه.

فما بدّ- إذا- من التأهّب لكلّ طارئ، والتربّص بكلّ هاجم، وتجهيز القوة التي تؤدّب المجرمين يوم يتطاولون.

والقتال الذي شرعه الإسلام وخاض معاركه الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته هو أشرف أنواع الجهاد، وقد بيّنا في كتبنا الاخرى «١» بالاستدلال العلمي والاستقراء التاريخي؛ أنّ الحروب التي اشتبك فيها الإسلام- على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه- كانت فريضة لحماية الحق، وردّ المظالم، وقمع العدوان، وكسر الجبابرة.


(١) انظر: الإسلام والاستبداد السياسي؛ التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام.

<<  <   >  >>