للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النظّارة، أصابه سهم طائش فقتله، فجاءت أمه فقالت: يا رسول الله! أخبرني عن حارثة؟ فإن كان في الجنة صبرت، وإلا فليرينّ الله ما أصنع- تعني من النياحة- وكانت لم تحرّم بعد!! فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: «ويحك أهبلت؟ إنّها جنان ثمان، وإنّ ابنك أصاب الفردوس الأعلى ... » «١» .

فإذا كان هذا جزاء النظّارة الذين اختطفتهم سهام طائشة، فكيف بمن خاض إلى المنايا الغمرات الصعاب؟!.

في هذه المعركة التقى الاباء بالأبناء، والإخوة بالإخوة، خالفت بينهم المبادئ، ففصلت بينهم السيوف، وفي عصرنا هذا قاتل الشيوعيون مواطنيهم، ومزّقوا أغلى الأواصر الإنسانية في سبيل ما يعتقدون؛ فلا عجب إذا رأيت الابن المؤمن يغاضب أباه الملحد، ويخاصمه في ذات الله!! والقتال الذي دار ب (بدر) سجّل صورا من هذا النوع الحاد: كان أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ابنه عبد الرحمن يقاتله مع أبي جهل، وكان عتبة بن ربيعة أول من بارز المسلمين، وكان ولده أبو حذيفة من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سحبت جثّة عتبة لترمى في القليب نظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أبي حذيفة فإذا هو كثيب، قد تغيّر لونه، فقال له: «يا أبا حذيفة! لعلّك قد دخلك من شأن أبيك شيء؟» فقال: لا والله يا رسول الله! ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكنّي كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلمّا رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك!.

فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له خيرا.. «٢» .

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى المشركين فطرحوا في القليب، وروي أنه قال عند مراهم: «بئس عشيرة النبيّ كنتم لنبيّكم؛ كذّبتموني وصدّقني النّاس، وأخرجتموني واواني النّاس، وقاتلتموني ونصرني النّاس» «٣» .


(١) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ٦/ ٢٠- ٢١، ٧/ ٢٤٣.
(٢) حديث ضعيف، رواه ابن هشام: ٢/ ٧٥، عن ابن إسحاق بلاغا.
(٣) حديث ضعيف، رواه ابن هشام: ٢/ ٧٤، عن ابن إسحاق، قال: حدثني بعض أهل العلم. وهذا إسناد معضل. وقد رواه أحمد: ٦/ ١٧٠، من طريق إبراهيم عن عائشة مرفوعا بلفظ: «جزاكم الله شرا من قوم نبيّ، ما كان أسوأ الطرد وأشدّ التكذيب» ، ورجاله ثقات، لكنّه منقطع بين إبراهيم وهو النخعي، وبين عائشة.

<<  <   >  >>