للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«للذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء، قد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة» - لشجرة قريبة-.

وأنزل الله تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) [الأنفال] «١» .

إن الوقوع في الأسر لا يعني صدور عفو عام عن الجرائم التي اقترفها الأسرى أيّام حريتهم، وهؤلاء الطغمة من كبراء مكة لهم ماض شنيع في إيذاء الله ورسوله، وقد أبطرتهم منازلهم، فساقوا عامة أهل مكة إلى حرب ما كان لها من داع، فكيف يتركون بعد أن استمكنت الأيدي من خناقهم؟.

أذلك لأنّ لهم ثروة يفتدون بها؟ ما كان يليق أن ينظر المؤمنون إلى هذه الأعراض التافهة متناسين ما فرط من أولئك الكفّار في جنب الله.

إنهم مجرمو حرب- بالاصطلاح الحديث- لا أسرى حرب، وقد ندّد القران بخيانتهم لقومهم بعد كفرهم بنعمة الله عليهم فقال:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) [إبراهيم] .

وهناك نصوص توصي برعاية الأسرى وإطعامهم، وتشرع القوانين الرحيمة في معاملتهم، وهذا ينطبق على جماهير الأسرى من الأتباع والعامة.

أمّا الذين تاجروا بالحروب لإشباع مطامعهم الخاصة، فيجب استئصال شأفتهم، وذلك هو الإثخان في الأرض.

إنّ الحياة كما تتقدّم بالرجال الأخيار، فإنّها تتأخر بالعناصر الخبيثة؛ وإذا كان من حقّ الشجرة لكي تنمو أن تقلّم؛ فمن حقّ الحياة لكي تصلح أن تنقّى من السفهاء والعتاة والاثمين. ولن يقوم عوض أبدا عن هذا الحق، ولو كان القناطير المقنطرة من الذهب، وقد أسمع الله نبيه صلى الله عليه وسلم وصحابته هذا الدرس، حتى إذا وعوه وتدبّروه عفا عنهم، ثم أباح لهم- من رحمته بهم- الانتفاع بما أخذوا من فداء فقال:


(١) حديث صحيح، أخرجه مسلم: ٥/ ١٥٦- ١٥٧؛ وأحمد، رقم (٢٠٨، ٢٢١) ؛ والبيهقي: ٩/ ٦٧- ٦٨، من حديث عمر رضي الله عنه.

<<  <   >  >>