للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في انتصارهم على الوثنية الصريحة الشرك ضرب من الوفاء للإسلام نفسه! ومن الاحترام للحقيقة التي معك أن تقترب مما يقرب منها، وأن تبتعد عن كل ما يبعد عنها.

وقد كان المشركون من أهل مكة منطقيين مع أنفسهم حين رحبوا بانتصار الفرس، وعدّوه رمزا لغلبة الوثنية في كلّ صورها على أديان السماء جملة ...

فما معنى أن يغضب اليهود المواحدون- كما يزعمون- من انتصار الإسلام على الشرك؟ وبم يفسّر حنوهم على القتلى من عبدة الأصنام، وسعيهم الحثيث لتغليب كفة الوثنية العربية على هذا الدين الجديد؟!.

إنّ التفسير الوحيد لهذا الموقف أنّ اليهود انقطعت صلاتهم بمعنى الدين، وأنّ سلوكهم العام لا يرتبط بما لديهم من تراث سماوي، وأنّهم لا يكترثون بما يقترب من عقيدة التوحيد أو أحكام التوراة، لأنّ هذه وتلك مؤخّرة أمام شهواتهم الغالبة وأثرتهم اللازبة، ومن ثمّ شكك القران الكريم في قيمة الإيمان الذي يدّعيه القوم:

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١) وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٩٢) [البقرة] .

والظاهر أن طوائف اليهود التي عاشت بين العرب كانت عصابات من المرتزقة، اتخذت الدين عنوانا لمطامع اقتصادية بعيدة المدى، فلمّا توهّمت أنّ هذه المطامع مهدّدة بالزوال ظهر الكفر المخبوء، فإذا هو كفر بالله وسائر المرسلين.

ولم يعرف أولئك شرفا في حرب الإسلام، ولم يقفهم حد أو عهد في الكيد له، فلم يكن بدّ من إجلائهم وتنظيف الأرض منهم.

[مقتل كعب بن الأشرف:]

وقد تعقّب المسلمون كلّ غادر بعهده، مجاهر بحرب الله ورسوله، مؤيّد لقريش ورأيها، مظهر للعطف والأسف على ما أصابها.. تعقّب المسلمون هؤلاء الطّغام من زعماء اليهود وسراتهم بالقتل والإرهاب.

<<  <   >  >>