للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وو الله إنّي لأرجو أن أستشهد فأطأ بعرجتي هذه في الجنة!! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«أمّا أنت فقد وضع الله عنك الجهاد» . وقال لبنيه: «وما عليكم أن تدعوه لعلّ الله عز وجلّ أن يرزقه الشهادة» ، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل يوم أحد شهيدا «١» .

وقال نعيم «٢» بن مالك: يا نبيّ الله لا تحرمنا الجنّة- وذلك قبل نشوب القتال- فو الذي نفسي بيده لأدخلنها!! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بم؟» قال: بأنّي أحبّ الله ورسوله، ولا أفرّ يوم الزّحف، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدقت» واستشهد يومئذ.

وقال عبد الله بن جحش في ذلك اليوم: اللهم إنّي أقسم عليك أن ألقى العدوّ غدا فيقتلوني، ثم يبقروا بطني، ويجدعوا أنفي وأذني، ثم تسألني: فيم ذلك؟ فأقول: فيك «٣» !.

هذه صورة للرجولة الفارعة التي اصطدم بها الكفر أول المعركة واخرها، فماد أمامها، واضطربت من تحت أقدامه الأرض، فما ربح شيئا في بداية القتال، ولا انتفع بما ربح اخره.

وهذا اللون من البطولة مدفون تحت جدران التاريخ الإسلامي القائم إلى اليوم، وما يقوم للإسلام صرح، ولا ينكفّ عنه طغيان إلا بهذه القوى المذخورة المضغوطة في أفئدة الصدّيقين والشهداء.


(١) رواه ابن هشام: ٢/ ١٣٩، عن ابن إسحاق، قال: وحدثني أبي إسحاق بن يسار عن أشياخ من بني سلمة به، وهذا سند حسن إن كان الأشياخ من الصحابة، وإلا فهو مرسل. وبعضه في المسند: ٥/ ٢٩٩، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، وزاد: فقتلوا يوم أحد، هو وابن أخيه ومولى لهم، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كأنّي أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة» . وسنده صحيح.
(٢) الصواب (النعمان بن مالك) ، وفي ترجمته أورد هذا الحديث الحافظ في (الإصابة) من طريق السدي. فهو مرسل.
(٣) أخرج هذا الأثر الحاكم: ٣/ ١٩٩- ٢٠٠، من طريق سعيد بن المسيّب: قال: قال عبد الله بن جحش ... وقال: «صحيح على شرط الشيخين، لولا إرسال فيه» ووافقه الذهبي. قلت: لكن له شاهد موصول أخرجه البغوي كما في (الإصابة) من طريق إسحاق بن سعد بن أبي وقاص: حدثني أبي أن عبد الله بن جحش قال ... فذكره بنحوه وزاد في اخره: قال سعد: «فلقد رأيته اخر النهار، وإن أنفه وأذنه لمعلقان في خيط» .

<<  <   >  >>