للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما أنّ اليهود عالنوا بسخريتهم، وتركوا وساوس الغش تلحّ عليهم، وتكدّر سيرتهم مع المسلمين.

ومن أصعب الأمور قياد الأمم عقب الهزائم الكبيرة، وقياد الدعوات بعد الانكسارات الخطيرة، وإن كان الرجال يستسهلون الصعب، ويصابرون الأيام حتى يجتازوا الأزمات.

وقد جاءت السّنة الرابعة للهجرة والمسلمون لمّا يداووا جراحاتهم في (أحد) ؛ إلّا أنّ الأحداث لا تنتظر، فقد أخذ البدو يتحرّكون نحو المدينة، يحسبون أنّ ما فيها أصبح غنيمة باردة، وأول من تهيّأ لغزو المدينة بنو أسد، فسارع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعث أبي سلمة على رأس مئة وخمسين رجلا؛ ليبغت القوم في ديارهم قبل أن يقوموا بغارتهم «١» .

ولم يلق أبو سلمة عناء في تشتيت أعدائه واستياق نعمهم أمامه، حتى عاد إلى المدينة مظفرا، وأبو سلمة يعدّ من خيرة القادة الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبقوا إلى الإيمان والجهاد معه، وقد عاد من هذه الغزاة مجهودا؛ إذ نغر عليه جرحه الذي أصابه في أحد، فلم يلبث حتى مات.

وحاول خالد بن سفيان الهذلي أن يحشد الجموع لحرب المسلمين، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس فقتله «٢» وهو يجتهد في تأليب القبائل للهجوم على المدينة.

وثارت هذيل لرجلها بأن أعانت على تسليم أسرى المسلمين إلى أهل مكة في غزوة الرّجيع.


(١) ذكر هذه السرية ابن كثير في (البداية) : ٤/ ٦١- ٦٢، من طريق الواقدي بإسناد له معضل! والواقدي متروك!.
(٢) رواه أبو داود: ٢/ ١٩٦؛ والبيهقي: ٣/ ٢٥٦؛ وأحمد: ٣/ ٤٩٦، من طريق ابن عبد الله بن أنيس عن أبيه، وقال الحافظ ابن كثير في (تفسيره: ١/ ٢٩٥) : «إسناده جيد» ، وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح: ٢/ ٣٥٠) : «إسناده حسن» . قلت: وابن عبد الله بن أنيس سماه البيهقي في روايته «عبيد الله» ، وكأنه تحريف من الناسخ أو الطابع، فقد أورده ابن أبي حاتم فيمن اسمه «عبد الله» مكبرا. وقال: «روى عن أبيه، وروى عنه محمد بن إبراهيم التيمي» ، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقد روى عنه محمد بن جعفر بن الزبير أيضا، وهو الذي روى عنه هذا الحديث، والله أعلم.

<<  <   >  >>