للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما أوثقوه قال: اللهم إنا قد بلّغنا رسالة رسولك، فبلّغه الغداة ما يصنع بنا. ثم قال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا «١» ، واستقبل الموت وهو ينشد:

ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ جنب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع

حزن المسلمون لفقدانهم عاصما وصحبه، ولمصرع أسيريهم على هذا النحو الفاجع، فقد خسروا فريقا من الدعاة الأكفاء الشجعان يحتاج إليهم الإسلام في هذه الفترة من تاريخه، ثم إنّ اصطياد الرجال بهذه الطريقة زاد المسلمين توجّسا وقلقا؛ إذ إن ذلك المسلك دل على مبلغ طماعية العرب في أهل الإيمان، واستهتارهم بأرواحهم، وجرأتهم على النيل منهم دون تخوّف أو محاذرة قصاص!.

[شهداء القرّاء في بئر معونة] :

ومع أن هذه الواقعة توجب على المسلمين أن يتبصّروا قبل بعث أيّ وفد لنشر الإسلام بين القبائل البعيدة والمجاهل المريبة، إلا أن ضرورة بثّ الدعوة مهما فدحت الخسائر- جعلت النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى هذه التضحيات على أنّها أمر لا بدّ منه؛ كالتاجر الذي يتحمّل المغارم الثقيلة حينا من الدهر، لأنّ الانسحاب من السوق- بغية تجنّبها- قضاء عليه، فهو يبقى متجمّلا حتى تهبّ الريح من جديد رخاء تعوّض ما فقد، وذلك سرّ استجابة الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي براء عامر بن مالك الملقّب بملاعب الأسنّة حين عرض عليه أن يرسل وفدا من الدعاة ينشرون الإسلام بين قبائل نجد.

وقد أبدى النبيّ صلى الله عليه وسلم خشيته من أن يصاب رجاله بسوء وسط قبائل ضارية لا يؤمن ذمامها، فقال أبو براء: أنا لهم جار «٢» !!.


(١) رواه ابن هشام: ٢/ ١٦٧- ١٦٩؛ عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة مرسلا. وهذا سند صحيح لولا الإرسال، لكن رواه البخاري في صحيحه: ٧/ ٣٠٣- ٣٠٨؛ وأحمد: ٢/ ١٩٤، ٣١٠، موصولا من حديث أبي هريرة نحوه وفيه الأبيات الاتية.
(٢) رواه ابن هشام: ٢/ ١٧٤، عن ابن إسحاق بسند صحيح مرسلا؛ وكذلك رواه الطبراني-

<<  <   >  >>