للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فركبت، وأخذ برأس البعير منطلقا يطلب النّاس، فو الله ما أدركنا الناس، وما افتقدت حتى أصبحت ونزلوا، فلمّا اطمأنوا طلع الرجل يقود بي البعير، فقال أهل الإفك ما قالوا وارتجّ العسكر، وو الله ما أعلم بشيء من ذلك.

ثم قدمنا المدينة، فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة؛ وليس يبلغني من ذلك شيء، وقد انتهى الحديث إلى رسول الله وإلى أبويّ؛ وهم لا يذكرون لي منه كثيرا ولا قليلا؛ إلّا أنّي قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بي في شكواي هذه.

فأنكرت ذلك منه، كان إذا دخل علي وعندي أمي تمرّضني، قال: «كيف تيكم؟» لا يزيد على ذلك. قالت: حتى وجدت في نفسي- غضبت- فقلت: يا رسول الله- حين رأيت ما رأيت من جفائه لي-، لو أذنت لي فانتقلت إلى أمّي؟

قال: «لا عليك» . قالت: فانقلبت إلى أمّي ولا علم لي بشيء مما كان، حتى نقهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة، وكنّا قوما عربا، لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف، التي تتخذها الأعاجم، نعافها ونكرهها، إنّما كنّا نخرج في فسح المدينة، وكانت النساء يخرجن كلّ ليلة في حوائجهن، فخرجت ليلة لبعض حاجتي، ومعي أمّ مسطح، فو الله إنّها لتمشي معي إذ عثرت في مرطها، فقالت:

تعس مسطح؟ فقلت: بئس- لعمر الله- ما قلت لرجل من المهاجرين شهد بدرا!.

قالت: أوما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر؟ قلت: وما الخبر! فأخبرتني بالذي كان من أهل الإفك. قلت: أو قد كان هذا؟!.

قالت: نعم. والله لقد كان!.

قالت عائشة: فو الله ما قدرت على أن أقضي حاجتي، ورجعت، فو الله ما زلت أبكي، حتى ظننت أنّ البكاء سيصدع كبدي، وقلت لأمي: يغفر الله لك، تحدّث الناس بما تحدّثوا به، ولا تذكرين لي من ذلك شيئا؟ قالت: أي بنية، خفّفي عنك فو الله لقلّ ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبّها، ولها ضرائر، إلا كثّرن وكثّر الناس عليها.

قالت: وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم- ولا أعلم بذلك- فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس! ما بال رجال يؤذونني في أهلي، ويقولون عليهم غير الحقّ؟! والله ما علمت عليهم إلا خيرا، ويقولون ذلك لرجل- والله- ما علمت منه إلا خيرا، ولا يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي!» .

<<  <   >  >>