للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولماذا يشكّون، وقد سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريات كثيرة بأنهم سيدخلون المسجد الحرام امنين، محلّقين رؤوسهم ومقصّرين؟.

أما قريش فقد ذعرت لهذا الزحف المباغت، وفكّرت جادّة في إبعاده عن مكة مهما كلّفها من مغارم، وذلك أنّها نظرت إلى الأمر من زاوية ضيقة، فرأت أنّ مهابتها ستنزع من أفئدة الناس قاطبة إذا دخل المسلمون بلدهم على هذا النحو بعد ما وقع من حروب طاحنة.

غير أنّ قريشا تعرف حروجة موقفها إن نشب قتال جديد.

فحجّتها فيه أمام نفسها وأمام أحلافها داحضة، وقد ينتهي بكارثة تودي بكيانها كلّه، ولهذا سيّرت الوسطاء يفاوضون محمّدا صلى الله عليه وسلم، علّهم ينتهون معه إلى مخلص من هذه الورطة!!.

وكان أول من جاءه (بديل بن ورقاء) في رجال من خزاعة، فكلّموه وسألوه: ما الذي جاء به؟ فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا، وإنما جاء زائرا للبيت ومعظّما حرمته.

فرجعوا إلى قريش يقولون: يا معشر قريش! إنّكم تعجلون على محمد، إن محمدا لم يأت لقتال، وإنّما جاء زائرا لهذا البيت. فاتّهموهم وجبّهوهم، وقالوا:

وإن كان جاء لا يريد قتالا ... فو الله لا يدخلها علينا عنوة أبدا، ولا تحدّث بذلك عنا العرب؟.

ثم بعثت قريش (مكرز بن حفص) فعاد بما عاد به بديل الخزاعي.

ثم بعثوا سيّد الأحابيش (الحليس بن علقمة) فلمّا راه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«إنّ هذا من قوم يتألّهون، فابعثوا الهدي في وجهه حتّى يراه» «١» .

فلمّا رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي، عاد إلى قريش قبل أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاما لما شاهد، فقال لهم ذلك، فأجابوه: اجلس إنّما أنت أعرابيّ لا علم لك، فاستشاط الحليس وصاح: يا معشر قريش! والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم، أيصدّ عن بيت الله من جاء معظّما له؟ والذي نفس الحليس بيده، لتخلّنّ بين محمّد وبين ما جاء له، أو لأنفرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد.. فقالوا: مه، كفّ عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.


(١) حديث صحيح، رواه ابن إسحاق في حديث الحديبية.

<<  <   >  >>