للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودعا الناس إلى مبايعته، وكان تحت شجرة متشابكة الغصون، فهرع أصحابه إليه يبايعونه على الموت، أو على ألايفروا.

حدّث جابر بن عبد الله بعد ما كفّ بصره قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: «أنتم خير أهل الأرض» ، وكنّا ألفا وأربعمئة، ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة «١» .

وروي عن جابر: أنّ عبد الحاطب جاء يشكوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول:

ليدخلنّ حاطب النار، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: «كذبت، لا يدخلها، شهد بدرا والحديبية «٢» » ، وتسمّى هذه البيعة (بيعة الرضوان) إشارة لقول الله في أصحابها:

لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) [الفتح] .

وقد قطعت الشجرة ونسي مكانها، وذلك خير، فلو بقيت لضربت عليها قبة وشدّت إليها الرحال، فإنّ الرعاع سراع التعلق بالمواد والاثار التي تقطعهم عن الله.

عن طارق بن عبد الرحمن: انطلقت حاجّا، فمررت بقوم يصلّون، فقلت:

ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع النبيّ عليه الصلاة والسلام بيعة الرضوان. فأتيت سعيد بن المسيّب فأخبرته، فقال سعيد: حدثني أبي أنّه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قال: فلمّا كان العام المقبل نسيناها، فلم نقدر عليها، ثم قال سعيد: إنّ أصحاب محمد لم يعلموها! وعلمتموها أنتم؟! فأنتم أعلم!.

وعند أخذ البيعة من المسلمين ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى يديه على الاخرى وقال: «هذه لعثمان» «٣» .

على أنّ عثمان لم يطل احتباسه، فإنّ قريشا جزعت أن تصيبه بأذى وهو من سرواتها بمكان، وسارعت إلى بعث (سهيل بن عمرو) ليعقد مع محمّد صلحا.

ولم يكن يعنيها في هذا الصلح إلا أن يرجع المسلمون هذا العام، على أن


(١) صحيح، أخرجه البخاري: ٧/ ٣٥٧.
(٢) صحيح، أخرجه مسلم: ٧/ ١٦٩، وتصديره ب (روي) يشعر بضعفه؛ فليحذف.
(٣) صحيح، أخرجه البخاري: ٧/ ٢٩١.

<<  <   >  >>