للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم، سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد:

فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرّتين، فإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيين:

ويا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [ال عمران: ٦٤] » «١» .

وقد هاجت حاشية هرقل لاكتراث القيصر بهذه الرسالة، وازدادوا هياجا عند ما عرض عليهم- لا ندري جادا أم هازلا- أن يعتنقوا هذا الدّين!.

وهرقل- في نظرنا- رجل سياسيّ، وأمر الدين لا يعنيه إلا بقدر ما يدعم ملكه، وينمّي قوته، وقد تولّى شؤون الدولة في وقت كانت الخلافات الكنسيّة حول طبيعة المسيح تغلي غليان المرجل، وتثير في الأمة انقسامات مخيفة، وقد حاول التقريب بين وجهات النظر المتباينة، وجمع الكنائس المتخاصمة على مذهب واحد فعجز، وتمرّد عليه اليعاقبة وغيرهم في مصر والشام.

فالكلام في الإلهيات ليس غريبا عليه، والتقريب بين وجهات النظر لمصلحة الدولة- ديدنه، ولعلّه في أعماق قلبه يحسّ سخف أولئك المختلفين جميعا.

وربّما تألقت في نفسه لوقت محدود فكرة الخروج من عقيدة التثليث إلى بساطة التوحيد ثم انطفأت؛ لما ستجرّه على الدولة من خلاف أشقّ في وهمه، وأمر المملكة- عنده- أهمّ من أي شيء اخر.

وشاءت لباقة قيصر السياسي أن يستدعي دحية، وأن يحاول إيهامه بأنّه مسلم! ثم أعطاه قدرا من الدنانير.. وصرفه!.

وعاد دحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كذب عدوّ الله، ليس بمسلم» ، وأمر بالدنانير فقسمت على المحتاجين «٢» .


(١) حديث صحيح من قوله: «وتناول قيصر ... » إلى هنا، أخرجه البخاري: ٣/ ٣١- ٣٢؛ ومسلم: ٥/ ١٦٥- ١٦٦، عن ابن عباس.
(٢) أخرجه أبو عبيد في الأموال، ص ٢٥٥، عن بكر بن عبد الله المزني، وإسناده صحيح، لكنه مرسل، بيد أن الزرقاني نقل في (شرح المواهب) : ٣/ ٢٤٠، عن «الفتح» : أنه في مسند أحمد أيضا، فلينظر فإنه لم يذكر صحابيه.

<<  <   >  >>