للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا هو النبي الأمي الذي- والله- لا يستطيع ذو عقل أن يقول: ليت ما أمر به نهى عنه، أو ما نهى عنه أمر به! أو ليته زاد في عفوه، أو نقص من عقابه؛ إذ كلّ ذلك منه على أمنية أهل العقل، وفكر أهل النظر ... » .

وقد أسلم (المنذر) ، وعرض على قومه الإسلام، فمنهم من أعجبه فدخل فيه، ومنهم من كرهه وبقي على مجوسيته أو على يهوديته، فلما استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفعل بإزائهم كتب له: «.. من أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية» «١» .

إنّ توسيع ميدان الدعوة بحيث تشمل المعروف المعمور من أرض الله يومئذ أمر يثير التأمّل، لقد كان العرب يستكثرون النبوّة على واحد منهم، ويوسعونه جحودا وكنودا!:

وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (٤١) [الفرقان] .

فما يكون شأن الروم والعجم، وهم يرون العرب دونهم منزلة وحضارة، وثقافة وسياسة! ألا يكونون أسرع إلى السخرية وأدنى إلى الكفران؟!.

بيد أن أصحاب الرسالات لا ينظرون إلى الأمور على ضوء الحاضر الضيق المنكور، فإنّ ثقتهم العميقة في سيادة فكرتهم، وامتداد نطاقها تصغّر العقبات المفروضة في الطريق، وتجعلها- ولو كانت الشم الرواسي- هباء منثورا.

ولو انحصر (كارل ماركس) في حدود مذهبه- وهو فكرة مطاردة تصل بذويها إلى السجون- لأصابه الشلل، وقضى عليه وعلى أفكاره، لكنّه مضى في سبيله، وهو على أمل بالغ أن تقوم بتوجيهها دول كبرى، فإن كان هذا شأن الماديين من أصحاب الأفكار الضالّة؛ فلا جرم أنّ المرسلين المؤيّدين بالوحي يكاتبون الملوك والأمراء، وهم موقنون بأنّ ما لديهم من حق سيعلو ما عداه، وذلك ما كان يجول في نفس الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يعالج هداية الأعراب الشاردين في الصحراء، طورا باللين، وطورا بالشدة، ثم هو- في الوقت نفسه- ينصح لقادة الشعوب الاخرى أن يفكّروا في هذا الدين الجديد، وأن يعتنقوه وافرين.


(١) ضعيف، أخرجه الواقدي بإسناده عن عكرمة، قال: وجدت في كتب ابن عباس.. فذكره.

<<  <   >  >>