للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبد المطلب أن يسلم هو وعياله، وأن يهجروا مكة إلى المدينة، فقابلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق مقبلا بجيشه على مكة، وخرج كذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية، فلقيا النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء- وهما ابن عمه وابن عمّته- وكانا من أشدّ الناس إيذاء له بمكة، فأعرض عنهما لما ذكر من مساءتهما.

لكنّ عليّ بن أبي طالب أشار إلى ابن عمه أبي سفيان بوسيلة يترضّى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال له: ائته من قبل وجهه، وقل ما قال إخوة يوسف: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ [يوسف: ٩١] فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه جوابا. ففعل ذلك أبو سفيان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف: ٩٢] .

وأنشده أبو سفيان أبياتا جاء فيها:

لعمرك إنّي حين أحمل راية ... لتغلب خيل اللّات خيل محمّد

لكالمدلج الحيران أظلم ليله ... فهذا أواني حين أهدى فأهتدي

هداني هاد غير نفسي ودلّني ... على الله من طرّدته كلّ مطرد

فضرب الرسول صلى الله عليه وسلم على صدره وهو يقول له: «أنت طردتني كلّ مطرد» «١» .

[[تعمية أخبار الجيش] :]

وسار الجيش يطوي الوهاد والنجاد مسرعا إلى مكة حتى بلغ «مرّ الظهران» قريبا منها في العشاء، فنزل الجيش، ونصبت الخيام، وأوقدت النيران في معسكر يضمّ عشرة الاف، حتى أضاء منها الوادي، وأهل مكة في عماية من أمرهم، لا يدرون عن القضاء النازل بهم شيئا ... وعزّ على العباس أن تجتاح مكة في أعقاب قتال تتنافى فيه، ولا يغنيها فتيلا.

فخرج يبحث عن وسيلة تقنع قريشا بمسالمة النبي صلى الله عليه وسلم وتدخلها في أمانه.

وصادف ذلك أن ثلاثة من كبراء مكة خرجوا يتعرّفون الأخبار، ويتسمعون ما يقال، فلمّا اقتربوا من الوادي راعهم ما به.


(١) حديث حسن، أخرجه ابن جرير: ٢/ ٢٢٩، والحاكم: ٣/ ٤٣- ٤٤، من حديث ابن عباس، وقال: «صحيح على شرط مسلم» ، ووافقه الذهبي، وإنما هو حسن فقط.

<<  <   >  >>