للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زمام الموقف، وأعاد الكرّة عليهم، فاجتلد الفريقان اجتلادا شديدا.

وقصد (علي) وأحد الأنصار إلى حامل العلم في طليعة (هوازن) ، فضرب (علي) عرقوبي جمله، فوقع على عجزه، ثم استمكن منه الأنصاري، فهوى به عن رحله.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته يقول:

«أنا النبيّ لا كذب ... أنا ابن عبد المطّلب» «١»

ويدعو: «اللهم نزّل نصرك» «٢» .

والمهاجرون والأنصار قد التحموا مع رجال (هوازن) و (ثقيف) .

قال العباس: ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو على بغلته كالمتطاول عليها- إلى قتالهم فقال: «الان حمي الوطيس» ، ثم أخذ حصيّات فرمى بهن في وجوه الكفار، ثم قال: «انهزموا وربّ محمد» .

قال العباس: فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى، فما هو إلا أن رماهم فما زلت أجد حدّهم كليلا، وأمرهم مدبرا «٣» .

ولم يطل وقت، حتى كان رجال (ثقيف) ومن معهم يوغلون مولّين الأدبار في وادي حنين، ورجع الطلقاء والبدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هم يرون الأسرى مكتفين!.

وفي هذه المعركة نزل قول الله عز وجلّ: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) [التوبة] .

واعتصم بعض المنهزمين بناحية يقال لها: (أوطاس) .

فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في أعقابهم (أبا عامر الأشعري) فقاتلهم حتى قتل، فأخذ الراية منه ابن أخيه (أبو موسى الأشعري) فما زال يناوش القوم حتى بدّد شملهم،


(١) صحيح، أخرجه الشيخان عن البراء بن عازب.
(٢) صحيح تفرد به مسلم: ٥/ ١٦٨، عنه.
(٣) صحيح، رواه مسلم عن العباس.

<<  <   >  >>