للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قام إلى جنب بعير، فأخذ من سنامه وبرة، فجعلها بين أصبعيه، ثم رفعها فقال:

«أيها الناس! والله ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس، والخمس مردود عليكم» «١» .

إنّ أعين القوم تكاد تخرج من المحاجر تطلّعا إلى الدنيا.

وهؤلاء الأعراب والطلقاء والرؤساء، ما أغنوا عن الإسلام شيئا في مازقه الأولى، بل كانوا هم العقاب الصلدة التي اعترضت مسيله، حتى تحطمت تحت معاول المؤمنين الراغبين في ثواب الاخرة المؤثرين ما عند الله.

ولكنّهم اليوم- بعد ما أعلنوا إسلامهم- يبغون من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفتح عليهم خزائن الدنيا؛ فحلف لهم أنه ما يستبقي منها شيئا لشخصه، ولو امتلك ملء هذه الأودية مالا لوزّعه عليهم.

والحق أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم وسع بحلمه وكرمه مسالك بينة للطيش والجشع في سبيل تألف هؤلاء الناس، وتحبيبهم في الإسلام.

ولو عاقبهم على جبنهم في (حنين) لنال منهم أيّ منال.

روى الإمام أحمد «٢» أنّ (أبا طلحة) - وهو من فرسان المسلمين المعدودين- لقي زوجته (أمّ سليم) ومعها خنجر، فقال لها: ما هذا؟. قالت: إن دنا مني بعض المشركين أبعج بطنه- وذلك في معركة حنين-، فقال أبو طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تسمع ما تقول أم سليم؟ فضحك النبيّ صلى الله عليه وسلم. فقالت أم سليم: يا رسول الله! أقتل من بعدها الطلقاء ... انهزموا بك! فقال: «إنّ الله قد كفى وأحسن يا أمّ سليم» .

والعجيب أنّ هؤلاء الذين فرّوا عند الفزع، هم الذين كفروا عند الطمع.

وشاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يلطف معهم، وينسى ماضيهم تكرما وتأليفا.


(١) صحيح؛ رواه أحمد، رقم (٦٧٢٩) ، والبيهقي: ٦/ ٣٣٦- ٣٣٧، بسند حسن عن عبد الله بن عمرو؛ والبخاري: ٦/ ١٩٣- ١٩٤، عن جبير بن مطعم إلى قوله: «كذابا» . والباقي عند الحاكم: ٣/ ٤٩، من حديث عبادة بن الصامت؛ وعند البيهقي: ٦/ ٣٣٩، من حديث عمرو بن عبسة.
(٢) في المسند: ٣/ ١٩٠، وسنده صحيح على شرط مسلم.

<<  <   >  >>