للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنهم الفقراء الذين شاقهم الجود بأنفسهم في سبيل الله، ثم أعجزتهم الوسائل التي تبلّغهم الميدان، فسحّت أعينهم الدمع لهذا الحرمان.

روي عن (علبة بن زيد) أنه قام من الليل يصلّي، فتهجّد ما شاء الله، ثم بكى، وقال: اللهم إنك أمرت بالجهاد، ورغّبت فيه، ثم لم تجعل عندي ما أتقوّى به، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه.. وإنّي أتصدق على كلّ مسلم بكلّ مظلمة أصابني فيها في مال أو جسد أو عرض.

وأصبح الرجل- على عادته- مع الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أين المتصدّق هذه الليلة؟» فلم يقم أحد، ثم قال: «أين المتصدّق؟ فليقم» ، فقام إليه فأخبره.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشر، فو الّذي نفسي بيده! لقد كتبت في الزّكاة المتقبّلة» «١» .

وهناك أهل الريبة الذين يلتمسون للفرار الأعذار، وتقعد بهم كراهيتهم للإسلام عن إسداء أي عون له، فهيهات أن يعدوا للخروج عدة، أو يتمنوا للخارجين عودا.

ومن أسخف الأعذار التي تمحّلها أولئك القاعدون المنافقون ما قاله الجدّ بن قيس للنبي صلى الله عليه وسلم- وقد عرض عليه الجهاد-: يا رسول الله! أو تأذن لي ولا تفتني؟ فو الله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجبا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر (الروم) ألا أصبر.

فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم «٢» وفيه نزلت الاية:

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩) [التوبة] .


- قال صلى الله عليه وسلم بمناسبة جيش العسرة: «ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم» . رواه ابن شاهين، رقم (٣) ، والحاكم: ٣/ ١٠٢، وغيرهما من حديث عبد الرحمن بن سمرة وصحّحه الحاكم. ووافقه الذهبي! وله شواهد ذكرها الحافظ ابن كثير في تاريخه: ٥/ ٦، واخر عند ابن شاهين، رقم (٦١) .
(١) صحيح، ذكره ابن إسحاق في (المغازي) بدون إسناد، وقد ورد مسندا موصولا من حديث مجمع بن حارثة وعمرو بن عوف وأبي عبس، وعلبة بن زيد نفسه وقتيبة كما بيّنه الحافظ في (الإصابة) ، فليراجعها من شاء.
(٢) ضعيف، رواه ابن هشام: ٢/ ٣١٦، عن ابن إسحاق بسنده، مرسلا، وكذلك رواه عنه ابن جرير: ٢/ ٣٦٦- ٣٦٧.

<<  <   >  >>