للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المدينة فقال: «إنّ بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم» !! فقالوا: يا رسول الله! وهم بالمدينة؟ قال: «وهم بالمدينة، حبسهم العذر» » .

بهذه المواساة الرقيقة كرّم النبي صلى الله عليه وسلم الرجال الذين شيّعوه بقلوبهم وهو ينطلق إلى الروم، فأصلح بالهم، وأزاح هما ثقيلا عن أفئدتهم.

أمّا المنافقون من مؤمّلي الشر ودعاة الهزيمة، والأعراب الذين اعتبروا الإسلام نكبة حلّت بهم؛ فهم يتربّصون الدوائر بأهله! أما هؤلاء وأولئك فأمامهم عناء طويل.

المخلّفون «٢» :

ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بدأ بالمسجد، فصلّى فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فجاء المخلّفون، فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله.

وجاءه (كعب بن مالك) فلمّا سلّم عليه تبسّم تبسّم المغضب؛ ثم قال له:

«تعال» . قال: فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟» . فقلت: بلى والله، إنّي لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكني والله لقد علمت إن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عليّ ليوشكنّ الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليّ فيه، إنّي لأرجو فيه عفو الله عنّي.

والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلفت عنك!.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمّا هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك» .

فقمت.

وثار رجال من بني سلمة، فاتبعوني يؤنبونني، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا. ولقد عجزت ألاتكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم


(١) صحيح، أخرجه البخاري: ٨/ ١٠٣.
(٢) هذه الرواية من خلاصة لزاد المعاد.

<<  <   >  >>