للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبو بكر- كما كلّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقيم للناس المناسك، وعليّ يؤذن في الناس بما أمر به، ويقرأ على العرب صدر السورة التي فصلت في أمرهم، وأجهزت على الوثنية في بلادهم.

وكان هناك مؤذّنون اخرون بثّهم أبو بكر في المجامع الكبيرة، يعينون عليا على إبلاغ رسالته، ويصيحون هنا وهناك: لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.

وعن زيد بن يثيع: سألنا عليا: بأيّ شيء بعثت في الحجة؟ قال: بعثت بأربع: لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مسلم وكافر في المسجد الحرام بعد عامه هذا، ومن كان بينه وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدّته، ومن لم يكن له عهد فأجله إلى أربعة أشهر «١» .

وقد تكلّمنا في موضع اخر عن مكانة المعاهدات في الإسلام «٢» ، وشرحنا ما تضمنه صدر سورة التوبة من أحكام.

وليعلم من يشاء أنّ تشريع قانون بمحو الوثنية كتشريع قانون بمحو الأمية عمل إنساني نبيل، وأن اعتراضا عليه لا يصدر من رجل يؤثر الخير للأمم، ويتمنّى لها السمو والكرامة!.

وبحسب الإسلام أنّه ظلّ اثنين وعشرين عاما يحارب الخرافة بالتعليم والتربية كلّما أتيحت له فرص لنشر المعرفة وغرس الأدب، وبالقصاص والقتال كلّما وقف في طريقه الجهّال والضلّال يبطلون سعيه أو يصدّون عنه.

وقد منح الإسلام الوثنية أول الأمر حق الحياة، وترك من يرتد عنه يرجع إليها إذا شاء، ولم يفعل ذلك إعزازا لها، إنما هو حسن ظنّ بعقل الإنسان وضميره ...

فقلّ من يسفهون أنفسهم، ويتركون الله العظيم إلى صورة من حجر أو خشب أو طعام.

فلمّا تبين أن الوثنيين يستخفون بكل شيء، وأنهم يستغلون الحق الممنوح لهم في الفتنة والعدوان والقتل ... لم يبق لتركهم من حكمة.


(١) صحيح، أخرجه أحمد، رقم (٥٩٤) ؛ والترمذي: ٤/ ١١٦، وصحّحه.
(٢) في كتابنا (تأملات في الدين والحياة) .

<<  <   >  >>