للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصورة التي قد ترتسم بادئ الأمر لرجل عنده نساء أنه مغمور بالسعادة المادية، يقوم بيته على الموائد الحافلة باللحوم والفواكه، ويرتوي من الأشربة التي تسري في أوصاله بالنشوة، ثم يتقلب يبن أحضان البيضاوات والشقراوات، ويصبح يستقبل الدنيا بعد ذلك خالي البال!!.

وقد تكون هذه الصورة مساوية أو مقاربة لما يدور في قصور الملوك، لكن حذار أن تسفّه نفسك فتحسب شية من هذا العيش الرخيّ في بيوت محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه.

انتقل على عجل إلى لون اخر من الحياة الخشنة؛ لترى فيه رجلا تعلقت همته بالحق واحده، فهو ينتعش بمعرفته، ويجتهد لجمع الناس عليه، وقرة عينه في خطوة تقربه من غايته شبرا، أما أهواء الدنيا فهي تحت قدميه ودبر أذنيه.

إذا استطاعت قذائف المدافع على ظهر الأرض أن تبلغ النجوم البعيدة، ما استطاعت مغريات الحياة أن تقترب من قلب محمد الزكي النقي صلى الله عليه وسلم.

ذاك إنسان اصطفته العناية؛ فهو يحلّق في مدى اخر يقول فيه: «ما لي وللدّنيا؟! إنّما أنا كرجل قال «١» تحت ظلّ الشّجرة ثمّ راح وتركها» «٢» .

يربط همم البشر بالمثل العليا، وما تصير إليه عند الله، فيقول: «موضع سوط في الجنّة خير من الدّنيا وما فيها، ولغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها» «٣» .

وحياته مع زوجاته نهج من الشظف لا يطيقه أحد.

روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما أعلم النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى رغيفا مرقّقا حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطا بعينه قطّ!!.


(١) قال: من القيلولة: وهي شدة حر الشمس في الظهيرة.
(٢) صحيح، أخرجه الترمذي: ٣/ ٢٧٨؛ وصحّحه ابن ماجه: ٢/ ٥٢٥- ٥٢٦؛ والحاكم: ٤/ ٣١٠، وأحمد، رقم (٣٧٠٩، ٤٢٠٨) عن ابن مسعود، وله شاهد عن ابن عباس، رواه أحمد (٢٧٤٤) وإسناده حسن، وصحّحه الحاكم على شرط البخاري ومسلم؛ ووافقه الذهبي.
(٣) صحيح أخرجه البخاري: ١١/ ١٩٤، بتمامه؛ ومسلم: ٦/ ٣٥، بالشطر الثاني عن سهل بن سعد.

<<  <   >  >>